وقد وصف الله اليهود بالحسد في مواضع من كتابه "القرآن" كقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} وقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . وخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث الزبير بن العوام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء: هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". وخرج أبو دواد من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" أو قال: "العشب". وخرج الحاكم وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "سيصيب أمتي داء الأمم"، قالوا: يا نبي الله، وما داء الأمم؟ قال: "الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا، والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج". وقسم آخر من الناس إذا حسد غيره لم يعمل بمقتضى حسده ولم يبغِ على المحسود بقول ولا بفعل. وقد روي عن الحسن أنه لا يأثم بذلك، وروي مرفوعًا من وجوه ضعيفه، وهذا على نوعين؛ أحدهما: ألا يمكنه إزالة ذلك الحسد عن نفسه، ويكون مغلوبًا على ذلك، فلا يأثم به. والثاني: من يحدث نفسه بذلك اختيارًا ويعيده ويبدئه في نفسه مستروحًا إلى تمني زوال نعمة أخيه، فهذا شبيه بالعزم المصمم على المعصية، وفي العقاب على ذلك اختلاف بين العلماء؛ لكن هذا يبعد أن يسلم من البغي على المحسود بالقول فيأثم؛ بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنى أن يكون مثله، فإن كانت الفضائل دنيوية فلا خير في ذلك، كما قال الله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} ، وإن كانت فضائل دينية فهو حسن، وقد تمنى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم الشهادة في سبيل الله، وفي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار". وهذا هو الغبطة، وسماه حسدًا من باب الاستعارة. وقسم آخر إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإبداء الإحسان إليه والدعاء له ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد حتى يبدله بمحبته أن يكون المسلم خيرًا منه وأفضل، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه. "جامع العلوم والحكم ص٣٩٦-٣٩٨". ٢ "ولا تباغضوا" نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى؛ بل على أهواء النفوس، فإن المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابون بينهم ولا يتباغضون. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم" خرجه مسلم، وقد ذكرنا فيما تقدم أحاديث في النهي عن =