للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني:

أن هذا إباحة لازمة لا يجوز الرجوع فيها، وهو وجه ضعيف؛ لأنه لو كان إباحة لكان له الرجوع، كما لو أباح كل واحد منهما لصاحبه طعامه، وأكل ِأحدهما ولم يأكل الآخر، فإن للآكل أن يرجع عن الإباحة، ويسترد طعامه بلا خلاف.

أما هنا فلو أتلف أحدهما ما آخذه، وبقي مع الآخر ما أخذه لم يكن لمن تلف في يده أن يسترد الباقي في يد صاحبه من غير أن يغرم له مذل ما تلف عنده، وهذا معناه أنه ليس من الإباحة في شيء.

الوجه الثالث: أن العوضين يستردان، فإن تلفا فلا مطالبة لأحدهما، ويسقط عنهما الضمان، ويتراد منهما بالتراضي، وهذا القول مردود على صاحبه؛ لأنه لا يرى ذلك في سائر العقود الفاسدة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن إسقاط الحقوق طريقة اللفظ، كالعفو عن القصاص والإبراء من عن الديون، فإن أقمنا التراضي مقام اللفظ في الإسقاط، وجب أن نقيمه في انعقاد العقد.

وهذا الخلاف المذكور في المعاطاة في البيع يجري في الإجارة، والرهن، والهبة ونحوها، أما صدقة التطوع والهدية، فعلى القول بصحة بيع المعاطاة، فهما أولى بذلك من البيع، وعلى القول بعدم الصحة، فالأصح عند جمهور فقهاء المذهب أنه لا يشترط فيهما الفظ، وحجتهم في ذلك، أن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذها، ولا لفظ هناك، وعلى هذا جرى الناس في جميع الأمصار، فقد كانوا يبعثون الهدايا على أيدي الصبيان الذين لا عبارة لهم.

اعتراض وجوابه:

فإن قيل بأن هذا من قبيل الإباحة، ولا يسمى هدية، ولا تمليكا أجيب عن ذلك بأنه لو كان باحة ما تصرفوا فيه تصرف الملاك، ومعلوم أن ما قبله النبي صلى الله وعليه وسلم من الهدايا، كان يتصرف فيه، ويملكه غيره.

ويمكن أن يحمل كلام من اعتبر الإيجاب، والقبول على الأمر المشعر بالرضا دون اللفظ، والإشعار بالرضا يكون لفظا ويكون فعلا، فالعبرة بالرضا في كل ما تقدم، والتسليم والتسلم دليل على الرضا، وقد قالوا: العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ.

<<  <   >  >>