للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث: بيع الفاكهة بجنسها، وما يتعلق به.

الفواكه والثمار من الأموال الربوية، وذلك بنص الحديث المتقدم؛ ولأنها من المطعومات، فلا يباع جنس الفاكهة بجنسه كتمر بتمر، وزبيب بزبيب إلا مثلا بمثل يدا بيد، وتعتبر المماثلة في الثمار وقت الجفاف هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنه يشترط مع جفافها أن تكون صالحة للإدخار على هيئة تمنعها من الفساد، فالتمر مثلا إذا نزع منه النوى بعد الجفاف، فإنه ولا شك يبطل كما له الفساد يتسارع إليه، فإن كان كما له لا يبطل بنزع نواه كالمشمش والخوخ، فلا يبطل بذلك؛ لأنه لا يجف غالبا إلا بنزع النوى.

وما دامت المماثلة شرطا لصحة البيع، فلا يجوز بيع الرطب بالتمر لما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، "سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: "أينقص الرطب إذا يبس؟ فقيل له: نعم قال: فلا إذا" ١ فنهى عن بيع الرطب بالتمر، وجعل العلة فيه أنه ينقص عن يابسه، فدل على أن كل رطب لا يجوز بيعه بياسه إلا في بيع العرايا، وهو بيع الرطب على النخل بالتمر على الأرض خرصا٢.

وأما بيع الرطب بالرطب، فإن كان من نوع لا يدخر إلا يابسا مثل الرطب والعنب، فلا يجوز للجهل بالتماثل حال الكمال والادخار، وإن كان مما لا يدخر يابسه كسائر الفواكه، ففيه قولان:

أحدهما: لا يجوز؛ لأنه جنس فيه ربا فلم يجز بيع رطبه برطبه مثل في ذلك مثل الرطب والعنب.

والثاني: يجوز؛ لأن معظم منافعه في حال رطوبته قياسا على جواز بيع اللبن باللبن٣، والرطب الذي لا يتثمر، والعنب الذي لا يكون زبيبا لا يصح بيع بعضه ببعض أصلا قياسا على الرطب بالرطب، ويستثنى الزيتون فإنه لا جفاف له، فيجوز بيع بعضه ببعض كما جزم به الغزالي وغيره.


١ رواه الخمسة وصححه الترمذي "نيل الأوطار ج٥ ص٢٢٤".
٢ الخرص هو التخمين تقول: خرصت النخل خرصا حرزت تمره على وجه التقريب "نيل الأوطار ج٥ ص٢٢٨" "والمصباح ج١ ص٢٠٠".
٣ راجع المهذب "ج١ ص٢٧٤".

<<  <   >  >>