للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المحبة لما ذكره لم يكن بينهما فرق، وحينئذ فالواجب إما نفي الجميع، ولا سبيل إليه للعلم الضروري، بوجود نفع الخلق والإحسان إليهم، وأن ذلك يستلزم الإرادة وإما إثبات الجميع كما جاءت به النصوص، وحينئذ فمن توهم أنه يلزم من ذلك محذور، فأحد الأمرين لازم، إما أن ذلك المحذور لا يلزم أو أنه لزم فليس بمحذور.

الجواب الثاني: أن الذي يعلم قطعاً هو أن الله قديم واجب الوجود كامل، وأنه لا يجوز عليه الحدوث ولا الإمكان ولا النقص، لكن كون هذه الأمور التي جاءت بها النصوص مستلزمة للحدوث والإمكان أو النقص هو موضع النظر، فإن الله غني واجب بنفسه وقد عرف أن قيام الصفات به لا يلزم حدوثه ولا إمكانه ولا حاجته، وأن قول القائل بلزوم افتقاره إلى صفاته اللازمة، بمنزلة قوله مفتقر إلى ذاته ومعلوم أنه غني بنفسه، وأنه واجب الوجود بنفسه، وأنه موجود بنفسه، فتوهم حاجة نفسه إلى نفسه، إن عنى به أن ذاته لا تقوم إلا بذاته فهذا حق، فإن الله غني عن العالمين وعن خلقه، وهو غني بنفسه (١).

وأيضاً يقال لهم: (إن من تأول النصوص على معنى من المعاني التي يثبتها، فإنهم إذا صرفوا النص عن المعنى الذي هو مقتضاه إلى معنى آخر، لزمهم في المعنى المصروف إليه ما كان يلزمهم في المعنى المصروف عنه.

فإن قال قائل: تأويل محبته ورضاه وغضبه وسخطه هو إرادته للثواب والعقاب، كان ما يلزمه في الإرادة نظير ما يلزمه في الحب والمقت والرضا والسخط، ولو فسر ذلك بمفعولاته - وهو ما يخلقه من الثواب والعقاب - فإنه يلزمه في ذلك نظير ما فر منه، فإن الفعل المعقول لا بد أن يقوم أولاً بالفاعل، والثواب والعقاب المفعول إنما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه، ويسخطه ويبغضه المثيب المعاقب، فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول المشاهد للعبد مثلوا، وإن أثبتوه خلاف ذلك، فكذلك سائر الصفات) (٢).

(فإن قيل: إنما نفينا الرحمة والمحبة والرضا والغضب ونحو ذلك من الصفات لأنه لا يعقل لها حقيقة تليق بالخالق إلا الإرادة، فالمحبة والرضا إرادة الإحسان، والغضب إرادة العقاب منه، فالفرق بينهما بحسب تعلقاتها لأن هذه في نفسها ليست عده. قيل هذا باطل فإن نصوص الكتاب والسنة والإجماع


(١) المصدر السابق ص (١١/ ٣٥٧ - ٣٥٨).
(٢) التدمرية، ص ٤٦.

<<  <   >  >>