للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: مذهب المعطلة في صفة المحبة لله عز وجل]

قال شيخ الإسلام -رحمه الله -: (للناس في هذا الأصل العظيم - يعني محبة الله - ثلاثة أقوال:

أحدها: إن الله يُحِب ويُحَب كما قال تعالى: {دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} [المائدة: ٥٤]، فهو المستحق أن يكون له كمال المحبة دون ما سواه، وهو سبحانه يحب ما أمر به ويحب عباده المؤمنين، وهذا قول سلف الأمة وأئمتها، وهذا قول أئمة شيوخ المعرفة، والقول الثاني: أنه يستحق أن يُحَب لكنه لا يُحِب إلا بمعنى يريد، وهذا قول كثير من المتكلمين ومن وافقهم من الصوفية (١)، والثالث: أنه لا يُحِب ولا يُحِب، وإنما محبة العباد له إرادتهم طاعته، وهذا قول الجهمية ومن وافقهم من متأخري أهل الكلام والرازي (٢) (٣).

وقال في موضع آخر: (فالقسمة في المحبة رباعية، فالسلف وأهل المعرفة أثبتوا النوعين، قالوا: إنه يُحِب ويُحَب والجهمية والمعتزلة تنكر الأمرين، ومن الناس من قال إنه يُحِبه المؤمنون، وأما هو فلا يُحِب شيئاً دون شيء، ومنهم من عكس فقال: بل هو يُحِب المؤمنين مع أن ذاته لا يُحَب) (٤).

فخالف المعطلة أهل السنة في إثبات صفة المحبة لله عز وجل (لكن لما كان الإسلام ظاهراً والقرآن متلواً لا يمكن جحده لمن أظهر الإسلام، اخذوا يلحدون في أسماء الله، ويحرفون الكلم عن مواضعه، فتأولوا محبة العباد له بمجرد محبتهم لطاعته أو التقرب إليه، وهذا جهل عظيم) (٥).


(١) الصوفية: نسبة إلى لبس الصوف، لاشتهارهم به أول الأمر زهداً وتقشفاً وأول ما ظهرت الصوفية من البصرة ثم تطورت منذ بدايتها وانتسب لها كثير من العلماء، وكتبوا في هذا العلم، ولا تخلو كتبهم من شطحات. انظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٦ - ١٨)، مصرع التصوف عبد الرحمن الوكيل.
(٢) هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، يلقب بفخر الدين الرازي، ويعرف بابن الخطيب، أشعري المعتقد، تأثر بابن سينا وأشباهه من الفلاسفة، ولد سنة ٥٤٤ هـ، وتوفي سنة ٦٠٦ هـ انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي ٢١/ ٥٠٠، الأعلام للزركلي (٦/ ٣١٣).
(٣) شرح العقيدة الأصفهانية ٢٧، النبوات ص ١٦٢.
(٤) النبوات ص ١٣٠.
(٥) الفتاوى ص ١٠/ ٦٩ - ٧٠.

<<  <   >  >>