وراح ضحية دسائس الأعاجم المفسدين، كما راح من قبله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بطعنة أبى لؤلؤة الذي كان موفداً من قبل قومه أعداء الإسلام والمسلمين-كما أوفد هذا الدرويش الخبيث-انتقاماً منه لأنه نكس راية المجوسية، وقوض دعائم عزِّ النار آلهتهم التي كانت قد مضى عليها آلاف السنين وهي شامخة الذرى والبنيان. فحسبنا. الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
٢١٥ - كان الإمام عبد العزيز رحمه الله كثير الخوف من الله كثير الذكر له، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ينفذ الحق ولو على أهل بيته وعشيرته، لا يتعاظم عظيما، إذا ظلم فيقمعه عن الظلم، وينفذ الحق فيه. ولا يتصاغر حقيرا ظُلم. فيأخذ الحق له، ولو كان بعيد الوطن. وكان لا يكترث في لباسه ولا سلاحه؛ بحيث كان بنوه وبنو بنيه سيوفهم محلاة بالذهب والفضة، وليس في سيفه هو شئ من ذلك إلا القليل. وكان لا يخرج من المسجد بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس ويصلى صلاة الضحى. وكان كثير الرأفة والرحمة بالرعية، وخصوصا أهل البلدان بإعطائهم الأموال، وبعث الصدقة لفقرائهم، والدعاء لهم والتفحص عن أحو الهم. كان يكثر الدعاء لهم في ورده:"اللهم أبق فيهم كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، حتى يستقيموا عليها ولا يحيدوا عنها".
٢١٦ - وكانت الرعية في زمنه آمنة مطمئنة في عيشة هنية. كان الشخص الواحد يسافر بالأموال العظيمة في أي وقت شاء من ليل أو نهار، شرقا أو غربا لا يخشى أحدا إلا الله، لا سارقا ولا مكابرا.