للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مكة ١ حين دخلوها في صورة الدولة السعودية الأولى- كما سبق أن ذكرنا- ولقد خالط عثمان بن فودي دعاة السلفية من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب واستمع إليهم وتشرب مبادئ الدعوة السلفية وتحمس لها، فأيقظت في نفسه رغبة ملحة في إصلاح أحوال المجتمع في بلاده، ومحاربة البدع والخرافات والوثنيات التي تفشت في بلاده، حيث اختلطت تعاليم الإسلام بالعادات الوثنية، وارتد بعض المسلمين عن دينهم ٢. ولعل خير ما نستشهد به في هذا المقام ما ذكره الإمام محمد بللو بن الشيخ عثمان بن فودي في كتابه "إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور" عن فشو الفساد والبدع والشركيات في مجتمع الهوسة؛ إذ يقول: "وقد وجدت في هذه البلاد (بلاد الهوسة) من أنواع الكفر والفسوق والعصيان أمور فظيعة، وأهوال شنيعة، طبقت هذه البلاد وملأتها حتى لا يكاد يوجد في هذه البلاد من صح إيمانه وتعبد إلا النادر القليل، ولا يوجد في غالبهم من يعرف التوحيد، ويحسن الوضوء، والصلاة، والزكاة، والصيام، وسائر العبادات، فمنهم كفار يعبدون الأحجار والجن، ويصرحون على أنفسهم بالكفر، ولا يصلون، ولا يصومون، ولا يزكون، ويسبون الله ويقولون في حقه ما لا يليق في جنابه الأعلى. وهؤلاء غالب عامة السودان الذين يقال لهم: "ما غنداوا"، وبعض عتاة الفلاتيين والتوارك، ومنهم قوم يقرون بالتوحيد، ويصلون، ويصومون، ويزكون من غير استكمال شروط، بل يأتون في ذلك كله بالرسم والعلامة، مع أنهم يخلطون هذه الأعمال بأعمال الكفر الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، وبعضهم من قبل نفسه........

وغالب ملوك هذه البلاد وجنودهم وأطبائهم وعلمائهم من هذا القبيل. ومنهم قوم يقرون بالتوحيد، ويصلون ويصومون، ويزكون من غير استكمال شروط كما مر، مع أنهم مقيمون على عوائد ردية وبدع شيطانية، ومنهم منهمكون في المعاصي الجاهلية متأنسون بها، جارون فيها مجرى المباحات حتى كأنها لم يرد فيها نهي، وهي خصال كثيرة أقاموا عليها، وهؤلاء أكثر عامة الفلاتيين وبعض مسلمي السودانيين (الهوسة) ؛ إذ قد مر أن غالبهم كفار بالأصالة وبعضهم بالتخليط. ومنهم قوم عارفون بالتوحيد كما ينبغي،


١ أرنولد: الدعوة إلى الإسلام, ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرين ص ٣٦٠ , ٣٦٢.
٢ آدم عبد الله الألوري: المرجع نفسه ص ٣١.

<<  <   >  >>