للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ففي هذا صراحة ووضوح بأن العبادة هي الطاعة وهي الاتباع وهي التحكيم، فمن أطاع الله ورسوله لم يرض بما يخالفه من الأحكام من أي مصدر كانت، واتخاذهم أربابا يكون في هذا النوع، فمن رضي حكما غير حكم الله وحكم رسوله وهو عالم بذلك معتقدا صحة هذا الحكم المخالف نصا وروحا لحكم الله، فذلك لا شك في كفره.

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وعكسه يكونون على وجهين:

أحدهما: أنهم يعلمون أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، وقد جعله الله ورسوله شركا وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون.

الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتا لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصٍٍٍٍ ٍ، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب. كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الطاعة في المعروف" ثم نقول لهذا المحلل للحرام، المحرم للحلال: إن كان مجتهدا قصده اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه، ولكن من علم أن هذا الخطأ مخالف لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اتبعه وعدل عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فله نصيب من الشرك الذي ذمه الله، لا سيما إن اتبعه في ذلك لهواه ونصره باللسان واليد مع علمه أنه مخالف للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه.

وأما الباب الثاني.. فإليك رأس الباب. باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} ١.


١ سورة النساء آية: ٦٠.

<<  <   >  >>