ما رغبةُ النَّفسِ في الحياةِ وإنْ ... عاشتْ طويلاً فالموتُ لاحقُها
يُوشكُ مَنْ فرَّ من منِّيَّتهِ ... في بعضِ غِرَّاته يُوافقُها
منْ لمْ يمتْ عَبْطَةً يمُتْ هَرَماً ... للموتِ كأسٌ والمرءُ ذائقُها
وقال أبو زهير بن أبي قابوس السجزي:
نَظَرتْ إلى رأسِي فقالت مالَهُ ... قد ضَمَّ فَوْدَيْه قناعٌ أدكنُ
يا هذه لولا النُّجومُ وحسنُها ... لم تألفُ اللَّيلَ البهيمَ الأعيُنُ
فتضاحكتْ عَجَباً وقالت يا فتَى ... تقصيرُ رأيكَ في قياسكَ بيّنُ
اللَّيلُ يَحسُنُ بالنُّجومِ وإنَّما ... ليلُ الشَّبابِ بلا نجومٍ أحسَنُ
وقال آخر:
الدَّهرُ أبْلانِي وما أبليتُهُ ... والدَّهرُ غيَّرني ولا يتغيَّرُ
إنَّ امرءاً أمسَى أبوه وأُمُّه ... تحتَ التُّرابِ فحقُّهُ يَتَفكَّرُ
وأنشدني عمر بن فهلوية:
لمَّا رأَى الشَّيْبَ إبراهيمُ لاحَ بي ... فقال ماذا إلهي قال ذا نُورُ
فقال زدني إلهِي ما يُنَوِّرني ... فإنَّني بلباسِ النُّورِ مسرورُ
وقال أبو الشيص عبد الله بن رزين الخزاعي:
أبقَى الزَّمانُ بِهِ ندوبَ عضاضِ ... ورمَى سوادَ قرونهِ ببياضِ
نَفَرتْ به كأسُ النَّديمِ وأغمَضَتْ ... عنهُ الكواعبُ أيّما إغماضِ
شَيئانِ لا تَصبو النِّساءُ إليهما ... حُلَلُ المشيبِ وخَلَّةُ الإنفاضِ
وقال أبو دلف العجلي:
في كلِّ يومٍ أَرَى بيضاءَ قد طلَعَتْ ... كأنَّما طلعتْ في ناظرِ البصرِ
لئنْ قصصتكِ بالمِقراضِ عن بصرِي ... فلنْ أقصَّكِ عن قلبِي وعن فِكَرِي
وإنْ كسوتكِ بالحِنَّاءِ أرديةً ... أوْ بالخضابِ ولو واريتِ بالخُمُرِ
لما تلبَّثتِ أنْ قهقهتِ ضاحكةً ... تحتَ الثِّيابِ كفعلِ الشَّامتِ الأشِرِ
وقال آخر:
وكم حَسَدَ الغرابُ سوادَ شَعرِي ... فها أنا ذا حَسودٌ للغُرابِ
وقال آخر:
لَهفي علَى الشُّربِ والنَّدامَى ... وقُبْلةٍ نلتُها حَرامَا
أقبِحْ بذِي الشَّيْبِ أنْ تَراهُ ... يخلَعُ عن رأسِهِ اللّجَامَا
وقال آخر:
شَيبٌ نُعلِّله كيما نغيّرهُ ... كهيئةِ الثَّوبِ مَطويّاً علَى خِرَقِ
قدْ كنتُ كالغصنِ تَرتاحُ الرِّياحُ لهُ ... فصِرْتُ عوداً بلا ماءٍ ولا وَرَقِ
آخر:
وما أحوالُنا إلاَّ ثلاثٌ ... شَبابٌ ثمَّ شَيبٌ ثمَّ مَوْتُ
وقال آخر:
من يعشْ يكبرْ ومنْ يكبرْ يمُتْ ... والمنايا لا تُبالِي مَنْ أَتَتْ
كَمْ وكَمْ قد أدرجَتْ مِن قبلِنا ... من قُرونٍ وقُرونٍ قدْ خَلَتْ
وقال دكين الراجز:
إليكَ أشكُو وَجَعاً بركبتي
وهَدَجَاناً لم يكنْ من خطوتي
كَهَدَجَانِ الرّأْلِ تحتَ الهَيْقَةِ
وقال أبو منصور الثعالبي:
أبا منصورٍ المغرور أقْصِرْ ... وأبْصرْ طُرْقَ أصحابِ الرّشادِ
ألستَ ترَى نجومَ الشَّيْبِ لاحتْ ... وشَيْبُ المرءِ عُنوانُ النفادِ
وقال أيضاً:
هذا عِذاركَ بالمشيبِ مُطرَّزٌ ... فقَبُولُ عذركَ في التَّصابِي مُعْوِزُ
ولقد علِمت ما علِمت توهُّماً ... أنَّ المشيبَ بهدمِ عمرِكَ يَرْمُزُ
وله:
أبلَى جَديديَّ هذانِ الجديدانِ ... والشَّأنُ في أنَّ هذا الشَّيْب ينعاني
كأنَّما اعتَمَّ رأسِي منه بالجَبَلِ الرَّا ... سِي فأوهَنَني تقْلاً وأوهانِي
وقال الأخطل:
النَّاسُ همُّهم الحياةُ ولا أرَى ... طولَ الحياةِ يَزيدُ غيرَ خَبَالِ
وإذا افتقرتَ إلى الذَّخائرِ لم تجدْ ... ذُخراً يكونُ كصالِحِ الأعمالِ
وقال آخر:
لَعمرُ الغواني ما أتينَ ملامةً ... ولا غيرَ مكروهٍ كرهْنَ فَتَحْرَدَا
كَرِهْنَ من الشَّيْبِ الَّذي لو رأيتَهُ ... بهِنَّ لكانَ الطَّرفُ عنهنَّ أحيَدَا
وقال آخر:
أرَى الشَّيْبَ مذ جاوزتُ عشرينَ حجَّة ... يَدِبُّ دبيبَ النَّملِ في غَسَقِ الظُّلَمْ
هو السُّقْم إلاَّ أنَّه غيرُ مُؤلمٍ ... ولم أَرَ قبلَ الشَّيْبِ سُقماً بلا ألَمْ
وقال أبو محمد العبدلكاني: