وقد أراني مُسْبلاً ذيلَه ... كم جِدّةٍ للعيشِ أبليْتُ
ثمَّ انقضَى عنّي بلَيّاتِه ... لمّا علَى الستينَ أربيْتُ
أُفٍ لدنيا عيشُها زائلٌ ... والحيُّ فيها واسمه الميْتُ
وقال آخر:
ما مَنْ أتَتْ من دونِ مولدِه ... خمسونَ بالمعذورِ في الجَهْلِ
وإذا انقضتْ خمسونَ عن رجلٍ ... هَجر الصِّبَى ومشى علَى رِسْلِ
ولو أنَّ أسرابَ الدموعِ ثَنتْ ... شرخَ الشَّبابِ علَى امرئٍ قبلي
لَهرقتُ من عينيَّ أربعةً ... وسَفحتُها سَجْلاً علَى سَجْلِ
وقال ابن الرومي:
فكّرتُ في خمسين عاماً مضتْ ... كانتْ أمامي ثمَّ خَلّفتُها
لو أنَّ عُمْري مائةٌ هَدّني ... تَذكُري أنِّي تَنصّفتُها
وقال ابن حازم:
لا حينَ صَبرٍ فخَلِ الدمعَ يَنهمِلُ ... فقدُ الشَّبابِ بيومِ المرءِ مُتَّصِلُ
سَقْياً ورعياً لأيام الشَّبابِ وإنْ ... لم يبقَ منكَ له رسْمٌ ولا طَلَلُ
بانَ الشَّبابُ ووَلَّى عنكَ باطلُه ... فليسَ يَحْسنُ منكَ اللهو والغَزلُ
لا تَكذبنَّ فما الدُّنيا بأجمعها ... من الشَّبابِ بيومٍ واحدٍ بَدَلُ
وقال آخر:
أليسَ عَجيباً بأنَّ الفَتَى ... يُصابُ ببعضِ الَّذي في يَديْهِ
فمِنْ بين باكٍ له موجعٍ ... ومن بينِ غادٍ مُعَزٍ إليهِ
ويَسْلُبه الشَّيْبُ شرخَ الشَّبابِ ... فليسَ يُعَزّيه خَلْقٌ عليهِ
أنشدني حمزة بن أسد العامري رحمه الله:
علَى كُلِّ حالٍ يأكلُ المرءُ زادَه ... علَى البُؤسِ والنَّعْماءِ والحَدثانِ
وكلُّ جديدٍ يا أُمَيْمَ إلى بِلًى ... وكلُّ امرئٍ يوماً يَصير إلى كانِ
وقال الهيثم بن عريان النخعيّ:
ألا أُنبّيكَ ... بآياتِ الكِبَرْ
تَقاربُ الخَطْوِ ... ونَقْصٌ في البَصرْ
وقِلّةُ الطَّعْم ... إذا الزَّادُ حَضرْ
وتركيَ الحسناءَ ... في وقت السَحَرْ
والنّاسُ يَبْلَونَ ... كما يَبْلى الشَجَرْ
وقال آخر:
جَنبي تَجافَى عن الوِسادِ ... خوفاً من الموتِ والمَعادِ
من خافَ من سَكرة المَنايا ... لم يَدْرِ ما لَذّةُ الرُّقادِ
قد بلغَ الزرعُ مُنْتهاهُ ... لا بُدَ للزرعِ من حَصادِ
أنشدني عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري:
إذا رأيتَ صَلَعاً في الهامَهْ
وحَدَباً بعدَ اعتدالِ القامَهْ
وصار شعْرُ الرأسِ كالثَّغامَهْ
فايْأسْ عن الصّحة والسَّلامَهْ
وعُدْ إلى التَّوبةِ والنَّدامَهْ
فقدْ عليك قامَتْ القِيامَهْ
أنشدني عبد الملك بن محمد اليمامي:
أقولُ ونُوّار المَشيبِ بعارضي ... قد افْترَّ لي عن نابِ أسودَ سالخِ
أشَيْباً وحاجاتُ الفؤادِ كأنّما ... يَجيشُ بها في الصّدر مِرجلُ طابخِ
وما بيَ ريعانُ الشَّبابِ وإنْ هوَى ... به الشَّيْبُ عن طَودٍ من العِزّ باذخِ
ولكنّه قد قيل شَيخٌ وليس لي ... علَى حَدثانِ الدَّهْرِ صَبرُ المشايخِ
وقال آخر:
أصبحتُ لا يحمِل بعضي بعضا
كأنّما كان شبابي قرضا
فَأُدِّيَ القَرضُ وكان فَرضا
وصارَ غُصني ذاويا مُنْفَضّا
وقال آخر:
اللّيلُ شيّب والنَّهارُ كلاهُما ... رأسي بكثرة ما تدورُ رَحاهما
فأنا النذيرُ لذي الشبيبة منهما ... لا يأمننَّهما فإنّهما هُما
والشَّيْبُ إحدى الميتتين تَقدمَتْ ... أُولاهُما وتأخَّرتْ أُخراهُما
وقال آخر:
إذا الرجالُ ولَدتْ أولادُها
وضعُفت من كِبَر أجسادُها
وأصبحت أسقامُها تعتادُها
فهي زُروع قدْ دَنا حصادُها
وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
ثِنتانِ لو بكَتِ الدماءُ عليهما ... عَينايَ حتَّى تُؤذِنا بذَهابِ
لم تبلُغا المِعْشارَ من حَقيهما ... فقْدُ الشَّبابِ وفرقةُ الأحبابِ
وقال آخر:
بكيتُ علَى شبابٍ قد تولَّى ... فيا ليتَ الشَّبابَ لنا يعودُ
فلو كانَ الشَّباب يُباعُ بَيْعاً ... لأعطيتُ المُبايعَ ما يُريدُ