للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال يموت بن المزرع:

مَنْ شَابَ قد ماتَ وهو حيٌّ ... يَمشي علَى الأرضِ مشيَ هالِكْ

لو كانَ عمر الفَتَى حِساباً ... لكانَ في شيبهِ فَذَلِكْ

وقال آخر:

تعجبتْ دُرُّ من شَيبي فقلتُ لها ... لا تَعجبي قد يَلوحُ الفجرُ في السدَفِ

وزادَهَا عَجَباً أنْ رُحتُ في سَمَلٍ ... وما دَرَتْ دُرُّ أن الدّرَّ في الصَّدفِ

وقال آخر:

صدَّتْ نَوَارُ وأبدتْ زُهدَها فينا ... وصارَمَتْ بعدَما كانتْ تُصافينَا

واستنكرتْ لمَّتي بعدَ المشيبِ فما ... تَرعَى الوِصالَ وقد كانتْ تُراعينَا

فقلتُ لمَّا رأيتُ الهجرَ عزمتهَا ... ماذا دهاكِ وقد كنَّا مُحبِّينَا

وما أتيتُ بذنبٍ أَستحِقُّ بِهِ ... منكِ الجفاءَ فكمْ عنَّا تَصُدِّينا

قالتْ بلَى لكَ ذنبٌ لستُ أغفِرُهُ ... ولو تشفَّعْتَ فينا بالنَّبيِّينا

أليسَ قد لاحَ فيكَ الشَّيْبُ من كبرٍ ... وبانَ منكَ شبابٌ كانَ يُصبينَا

فما لنا فيكَ بعدَ الشَّيْبِ مِنْ أَرَبٍ ... فاقنَ الحياءَ وشمّر في المخِفينا

فقلتُ ويحكِ إنَّ الشَّيْبَ مكرمةٌ ... فيه الوَقارُ فما منهُ تَعيبينا

أنبِلْ بذي الشَّيْبِ في الإسلامِ صارَ بِهِ ... مُبَجَّلاً في عيونِ النَّاسِ مأمونَا

قالتْ وراءَكَ لا تكثر تَمَلُّقَنَا ... قَصِّر عنانَكَ كم بالقولِ تُؤذينَا

الشَّيْبُ أعظمُ ذنباً عندَ غانيةٍ ... من ابنِ ملجمَ عندَ الفاطميِّينَا

أنشدني محمد بن حامد بن أسد الخارجي:

تعجَّبتْ أنْ رأَتْ شيبي فقلتُ لها ... لا تَعجَبي مَنْ يَطُلْ عمرٌ بِهِ يَشِبُ

شيبُ الرِّجالِ لهمْ عِزٌّ ومكرمةٌ ... وشيبكُنَّ لكُنَّ الويلُ فانتحِبِي

لأن فينا وإن شيبٌ بَدَا أَرَبٌ ... وليس فيكُنَّ بعدَ الشَّيْبِ من أَرَبِ

وقال إسماعيل بن عبد الله العجلي:

لَهَفي علَى عُمُرٍ ضيَّعتُ أوَّلَه ... وغالَ آخرَه الأسقامُ والهرمُ

كمْ أقرَعُ السِّنَّ بعدَ الفَوْتِ من نَدَمٍ ... وأينَ يبلغُ قرعُ السِّنّ والنَّدَمُ

إلا تناهيتُ حينَ العمرُ مقتَبلٌ ... والنَّفسُ في جذوةٍ والعزّ محتدمُ

وقال آخر:

أعينيَّ هلاَّ تبكيانِ علَى عُمري ... تناثَر عُمْري من يدَيَّ ولا أدري

إذا كنتُ قد جاوزتُ ستينَ حجةً ... ولم أتأهَّبْ للمعادِ فما عُذْري

وقال محمد بن مناذر:

ماذا أُرجي وقد خلتْ ليَ ستونَ ... وستٌ سلبنَني مَجْلودي

حُلْنَ عنّي وقد تَعرّقْنَ لحمي ... وبريْنَ العظامَ بَريَ العودِ

وقال عوف بن محلّم:

قل للذي دانَ له المَشْرقانْ ... وألبسَ الأمْنَ به المغرِبانْ

إنَّ الثمانينَ وبلّغتَها ... قد أحوجتْ سَمعي إلى تَرْجُمانْ

وبدلتني بالشطاطِ الحَنا ... وكنتُ كالصَّعْدةِ تحتَ السِنانْ

وقاربَتْ منِّي خُطى لم تكنْ ... مُقارباتٍ وثَنتْ من عِنان

وأنشأتْ بيني وبينَ الورَى ... عَنانةً ليستْ بجنس العَنان

وبدّلتْني بَزَماعِ الفَتَى ... وعزمه عَزمَ الجَثوم الهِدان

وما بقي منِّي لمُستمتعٍ ... إلاَّ لساني وبحَسبي لسان

أدعو به الله وأثْني به ... علَى الأميرِ المُصْعَبيّ الهِجان

فهمْتُ بالأوطانِ شَوْقاً بها ... لا بالغواني أينَ منِّي الغَوان

فَقرّباني بأبي أنتُما ... من وطني قبلَ اصفرارِ البَنان

وقبلَ منعايَ إلى نسْوة ... أوطانُها حَرّانُ والرَّقَّتان

سقى قصورَ الشَّاذياخِ الحيا ... بعدَ وَداعي وقصورَ الميان

فكمْ وكمْ من دَعوةٍ لي بها ... أنْ تَتخطَّاها صُروفُ الزَّمان

وقال آخر في نصر بن دُهْمان المعمّر:

ونصرُ بنُ دُهْمانَ الهنيدةَ عاشَها ... وتسعينَ حولاً ثمَّ قُوم فانصاتا

وعادَ سوادُ الرأسِ بعدَ بياضه ... وراجَعه شرخُ الشَّبابِ الَّذي فاتا

فعاشَ بخيرٍ في نعيمٍ وغِبْطةٍ ... ولكنّه من بعدِ ذا كلِه ماتا

وقال رجل من قريش:

بانَ شَبابي لو تَعزّيْتُ ... واستُقبِلَ العيشُ وولّيْتُ

<<  <   >  >>