أَقْصِرْ فإنَّ المنايا ... لها ببابكَ نَوْبَه
إنْ لمْ تَتُبْ بعدَ شيبٍ ... فليسَ في القبرِ تَوْبَه
وقال آخر:
ما لكَ في الجهلِ من عَذيرِ ... وقد توسَّمْتَ بالقَتِيرِ
خلت ثلاثونَ بعد عَشْر ... وتَابعاتٌ من الشُّهورِ
أحدثْنَ بعدَ الضَّلالِ رُشْداً ... وما عَمي القلب كالبصيرِ
أنشدني أبو الشريف البسطامي لنفسه:
شيبُ الفَتَى آخر عُمْر الفَتَى ... وإنْ تَمادَى بالفَتَى عُمْرُهُ
شَبابُهُ أخِرُه شَيبُه ... وشَيبُه أخرُه قبرُهُ
وقال أبو الحسن المدني:
فهلْ تَرَى بعدَ المشيبِ والصَّلَعْ
لابنِ ثلاثينَ وعشرٍ من طَمَعْ
يرقَعُ والدَّهرُ يُفَرِّي ما رَقَعْ
فَهَلْ تَرَى يُغني الحِذارُ والجَزَعْ
إذا الفَتَى عايَنَ شيئاً قدْ طَلَعْ
كأنَّما عايَنَ هَوْلُ المُطَّلَعْ
وقال أبو الحسن العبدلكاني:
أناخَ جيشُ المشيبِ مقتدِرَا ... علَى شبابي فمرَّ منكسِرَا
ليلٌ حبيبٌ إليَّ رؤيتُه ... مَضَى وصبحٌ كرِهْتُه ظَهَرا
كأنَّه واخِزٌ بطلعته ... في القلبِ منِّي بكفِّه إبَرَا
نذيرُ موتٍ أتَى ليُنذرني ... بقربهِ لوْ ظَلِلْتُ مُعتَبِرا
أستغفرُ الله ما حييتُ فقدْ ... جاءَ رسولُ الحِمام مبتَكِرا
آخر:
يا صلعةً لأبي حفصٍ مُمَرَّدةً ... كأنَّ ساحَتَها مِرآةُ فولاذِ
أنشدني رئيس الكتبة بالحضرة أبو نصر منصور بن مشكان:
قالَ السّلاميُّ وَهَتْ قوَّتي ... فصِرتُ مثلَ الفرخِ إذْ يلقُطُ
فأسودٌ يَبْيَضُّ في عارِضي ... وأبيضٌ في الفم لي يسقُطُ
وقال آخر:
أحالَ الشَّبابُ عليه المشيبا ... ودَبَّ الزَّمَانُ إليه دَبيبا
وأنكره البيضُ بعدَ البياضِ ... فأصبحَ بين الغواني غريبا
وقال علي بن الجهم:
وعظته الكأسُ إذ ارتعَهَا ... وأرتْهُ الشَّيْبَ فيها والصَّلَعْ
زَجرتْهُ فانتَهَى عنها ولو ... غيرُها يردَعُ عنها ما ارتَدَعْ
وقال علقمة بن عبدة الفحل:
فإنْ تسألوني بالنِّساءِ فإنَّني ... عليمٌ بأدواءِ النِّساءِ طبيبُ
يُرِدْنَ ثراءَ المالِ حيثُ علمنَهُ ... وشرخُ الشَّبابِ عندهُنَّ عجيبُ
إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مالهُ ... فليسَ له في وُدِّهنَّ نصيبُ
وقال آخر:
ألستَ تَرَى شَيباً برأسيَ شاملاً ... وَنَتْ حيلتِي عنه وضاقَ به ذَرعِي
كأنَّ المقاريضَ الَّتي يَعتورْنَه ... مناقيرُ طيرٍ تَنتقي سنبل الزَّرْعِ
آخر:
فأنتَ تَقرضها والله يُنْبِتُها ... وهلْ يقومُ لأمر الله مِقْراضُ
آخر:
وأرَى الغَواني لا يُواصلنَ امرءاً ... فَقَدَ الشَّبابَ وقد يصلْنَ الأمْرَدَا
آخر:
أحلَى الرِّجالِ من النِّساءِ مَواقعاً ... مَنْ كانَ أشبههُم بهنَّ خُدُودَا
وقال البحتري:
كواكبُ شيبٍ علقْنَ الصِّبَا ... فقلَّلْنَ من حُسنهِ ما كَثُرْ
وإنِّي وجدتُ فلا تكذبَنْ ... سوادَ الهَوَى في بياض الشَّعَرْ
ولا بدَّ من تركِ إحدَى ... اثْنَتَيْن إمَّا الشَّباب وإمَّا العُمُرْ
وقال أبو تمام:
أرَى الشَّيْبَ مُختَطّاً بفَوْدَيَّ خِطَّة ... طريقُ الرَّدَى منها إلى النَّفس مَهْيَعُ
هو الزَّوْرُ يُجْفَى والمعاشرُ يُجْتَوَى ... وذو الإلفِ يُقْلَى والجديدُ يُرقَّعُ
ونحن نُزجِّيه علَى الكُرة والرِّضَا ... وأنفُ الفَتَى من وجهِهِ وهو أجدَعُ
وقال لبيد:
ولقدْ سئمتُ من الحياةِ وطولِها ... وسؤالِ هذا النَّاسِ كيفَ لبيدُ
وبَقيت سبتاً قبل مجرى داحِس ... لو كانَ للنَّفسِ اللَّجوجِ خلودُ
وقال زهير:
سئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومن يعِشْ ... ثمانينَ حولاً لا أبا لَكَ يَسْأَمِ
رأيتُ المنايا خبطَ عشواءٍ من تُصبْ ... تُمتْهُ ومن تُخطِئ يُعمّر فيهرَمِ
ومن لا يذُدْ عن حوضِهِ بسلاحِهِ ... يُهَدَّمِ ومن لا يَظلم النَّاسَ يُظلَمِ
ومهما تكنْ عند امرئٍ من خَليقَة ... ولو خالَهَا تَخفى علَى النَّاس تُعْلمِ