مفتاح اللوم. والحالة الثانية: النظر إلى المقدور وملاحظته، وأنه لو قدر؛ لم يفته، ولم يغلبه عليه أحد.
فأرشد النبي صلى الله عليه وسلمإلى ما ينفعه حال حصول مطلوبه وحال فواته، ونهاه عن قول "لو"، وأخبره أنها تفتح عمل الشيطان؛ لما فيها من التأسف على ما فات والتحسر والحزن ولوم القدر؛ فيأثم بذلك، وذلك من عمل الشيطان، وليس هذا لمجرد لفظ"لو"، بل لما قارنها من الأمور القائمة بقلبه، المنافية لكمال الإيمان، الفاتحة لعمل الشيطان.
فإن قيل: الرسول صلى الله عليه وسلمقد قال هذه الكلمة حينما أمر أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، ولم يفسخ هو؛ لأنه ساق الهدي.
فالجواب عن ذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ ما سقت الهدي": خبر عن مستقبل، لا اعتراض فيه على قدر، بل هو إخبار لأصحابه أنه لو استقبل الإحرام بالحج؛ ما ساق الهدي، ولأحرم بالعمرة، قال ذلك لهم لما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة؛ حثا وتطييبا لقلوبهم، لما رآهم توقفوا في أمره؛ فليس هذا من المنهي عنه، بل هو إخبار لهم عما كان يفعل في المستقبل لو حصل، ولا خلاف في جواز ذلك، وإنما ينهى عن ذلك في معارضة القدر، ولله أعلم".
فهذا الحديث الذي رواه أبو هريرة لا يستغني عنه العبد، وهو يتضمن إثبات القدر، وإثبات الكسب، والقيام بالعبودية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى هذا الحديث: "لا تعجز عن مأمور، ولا تجزع من مقدور".