للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا اقتضاء عقلي. وعرفها بعضهم بأنها كمال الحب مع كمال١الخضوع. وعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – "بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة". وهذا التعريف أدق وأشمل؛ فالدين كله داخل في العبادة، ومن عرفها بالحب مع الخضوع؛ فلأن الحب التام مع الذل التام يتضمان طاعة المحبوب والانقياد له؛ فالعبد هو الذي ذلله الحب والخضوع لمحبوبه؛ فبحسب محبة العبد لربه وذله له تكون طاعته؛ فمحبة العبد لربه وذله له يتضمنان عبادته له وحده لا شريك له.

فالعبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، وهي تتضمن ثلاثة أركان؛ هي: المحبة، والرجاء، والخوف، ولا بد من اجتماعها، فمن تعلق بواحد منها فقط؛ لم يكن عابدًا لله تمام العبادة؛ فعبادة الله بالحب فقط هي طريقة الصوفية، وعبادته بالرجاء وحده طريقة المرجئة، وعبادته بالخوف فقط طريقة الخوارج، والمحبة المنفردة عن الخضوع لا تكون عبادة، فمن أحب شيئا ولم يخضع له؛ لم يكن عابدًا؛ كما يحب الإنسان ولده وصديقه، كما أن الخضوع المنفرد عن المحبة لا يكون عبادة؛ كمن يخضع لسلطان أو ظالم اتقاء لشره، ولهذا لا يكفي أحدهما عن الآخر في عبادة الله - تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء.

والعبادة هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له، وهي التي خلق الخلق من أجلها؛ كما قال تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ} ٢، وبها أرسل جميع الرسل؛ كما قال تعالى-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً


١ قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -
وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ما دار حتى قامت القطبان
٢ سورة الذاريات، الآية: ٥٦.

<<  <   >  >>