إليه عقله في القبر؛ فإنه لا يسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال، وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة؛ فإن الله سبحانه يرسل إليهم رسولاً، ويأمرهم بطاعته، وعقولهم معهم، فمن أطاعه منهم؛ نجا، ومن عصاه؛ أدخله النار؛ فذلك امتحان بأمر يأمرهم به يفعلونه ذلك الوقت، لا أنه سؤال عن أمر مضى لهم في الدنيا من طاعة أو عصيان؛ كسؤال الملكين في القبر.
وأجابوا عن أدلة الأولين: أما حديث أبي هريرة؛ فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعا؛ فإن الله لا يعذب أحدًا فلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره، وغن لم يكن عقوبة على عمله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"؛ أي: يتألم بذلك ويتوجع منه، لا أنه يعاقب بذنب الحي، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ١،وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"السفر قطعة من العذاب"؛ فالعذاب أعم من العقوبة، ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل فيتألم، فيشرع للمصلي عليه أن يسأل الله تعالى أن يقيه ذلك العذاب، والله أعلم.
واختلفوا؛ هل السؤال في القبر عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار، أو يختص بالمسلم والمنافق؟ فقيل: يختص ذلك بالمسلم والمنافق دون الكافر الجاحد المبطل، وقيل: السؤال في القبر عام للكافر والمسلم، وهذا هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة، واستثناء الكافر من هذا لا وجه له.
واختلفوا؛ هل السؤال في القبر مختص بهذه الأمة، أو يكون لها ولغيرها؟، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه خاص بهذه الأمة؛ لأن الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم