المصلوب والغريق والمحرق ونحن لا نشعر بها؛ لأن ذلك الرد نوع آخر غير المعهود؛ فهذا المغمى عليه والمسكور والمبهوت أحياء وأرواحهم معهم ولا تشعر بحياتهم، ومن تفرقت أجزاؤه لا يمتنع على من هو على كل شيء قدير أن يجعل للروح اتصالاً بتلك الأجزاء على تباعد ما بينها وقربه، ويكون في تلك الأجزاء شعور بنوع من الألم واللذة.
وإذا كان الله تعالى: قد جعل في الجمادات شعورًا وإدراكا؛ تسبح ربها به، وتسقط الحجارة من خشيته، وتسجد له الجبال والشجر، وتسبحه الحصى والمياه والنبات؛ كما قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ١، فإذا كانت هذه الأجسام فيها الإحساس والشعور؛ فالأجسام التي كانت فيها الأرواح والحياة أولى بذلك، وقد أشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار إعادة كاملة إلى بدن قد فارقته الروح فتكلم ومشى وأكل وشرب وتزوج وولد له:{الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} ٢، أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت يوما أو بعض يوم٣، وكقيبل بني إسرائيل الذين قالوا لموسى:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} ٤؛ فأماتهم الله ثم بعثهم من بعد موتهم، وكأصحاب الكهف، وقصة إبراهيم في الطيور الأربعة، فإذا أعاد الحياة التامة إلى هذه الأجساد بعد ما بردت بالموت؛ فكيف يمتنع على قدرته الباهرة أن يعيد موتها حياة ما غير مستقرة يقتضي بها أمره فيها ويستنطقها بها ويعذبها أو ينعمها بأعمالها، وهل إنكار ذلك إلا مجرد تكذيب وعناد وجحود؟!