للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وموت وعزٍّ وذلٍّ ... إلى غير ذلك؛ كما في قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ١.

ولا بد للمسلم من الإيمان بالقدر العام وتفاصيله، فمن جحد شيئا منها؛ لم يكن مؤمنا بالقدر، ومن لم يؤمن بالقدر؛ فقد جحد ركنا من أركان الإيمان؛ كما عليه الفرقة القدرية الضالة التي تنكر القدر، وهم في هذا الإنكار على قسمين:

القسم الأول: القدرية الغلاة، ينكرون علم الله بالأشياء قبل كونها، وينكرون كتابته لها في اللوح المحفوظ، ويقولون: إن الله أمر ونهى، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه؛ فالأمر آنف - أي: مستأنف - لم يسبق في علم الله وتقديره، وهذه الفرقة قد انقرضت أو كادت.

القسم الثاني: تقر بالعلم، ولكنها تنفي دخول أفعال العباد في القدر، وتزعم أنها مخلوقة لهم استقلالاً، لم يخلقها الله ولم يردها، وهذا مذهب المعتزلة.

وقابلتهم طائفة غلت في إثبات القدر حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، وقالوا: إن العبد مجبر على فعله، ولذلك سموا بالجبرية.

وكلا المذهبين باطل؛ لأدلة كثيرة؛ منها قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ٢؛ لأن قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} :يرد على الجبرية؛ لأن الله أثبت للعباد مشيئة، وهم يقولون: إنهم مجبورون لا مشيئة لهم.

وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فيه الرد على القدرية القائل بأن مشيئة العبد مستقلة بإيجاد الفعل من غير توقف على مشيئة الله، وهذا قول باطل؛ لأن الله علق مشيئة العبد على مشيئته - سبحانه، ربطها بها، وهذا هو


١ سورة الرحمن، الآية: ٦
٢ سورة التكوير، الآيتان: ٢٨ ـ ٢٩.

<<  <   >  >>