للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الذي قاله ابن كثير رحمه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ كما حكى الله هذه التسوية عنهم في قوله: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ١، وقوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ٢.

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} ٣، أي: أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لله، وقيل: أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لأندادهم. فدلت الآية على أن من أحب شيئا كحب الله؛ فقد اتخذه ندّاً لله.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: "وفيه أن من اتخذ ندّاً تساوى محبته محبة الله؛ فهو الشرك الأكبر".

وقلنا قريبا: إن محبة الله التي هي محبة العبودية، يجب أن تقدم على المحبة التي ليست عبودية، وهي المحبة المشتركة؛ كمحبة الآباء والأولاد والأزواج والأموال؛ لأن الله توعد من قدَّم هذه المحبة على محبة الله؛ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ٤، فتوعد سبحانه من قدم هذه المحبوبات الثمان على محبة الله ورسوله والأعمال التي يحبها، ولم يتوعد على مجرد حب هذه الأشياء؛ لأن هذا شيء جُبل عليه الإنسان ليس اختياريّا، وإنما توعد من قدم محبتها على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ورسوله؛ فلا بد من إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده؛ فمحبة الله لها علامات تدل عليها:

منها: أن من أحب الله تعالى: فإنه يقدم ما يحبه الله من الأعمال على


١ سورة الشعراء، الآيتان: ٩٧ ـ ٩٨.
٢ سورة الأنعام، الآية: ٣.
٣ سورة البقرة، الآية: ١٦٥.
٤ سورة التوبة، الآية: ٢٤.

<<  <   >  >>