للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول: قد استغنيت عن الطيب؛ لأن قرب الأمير طيب لي! وإن يبني الله بهذا الأمير المعالي، كما بكم أيها الأشراف يغفر الذنوب. أي لحب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجعل الأمير يضرب بكمه البخور ويقول: سوقاً إلى الطيب فقال يمدحه:

يا أكرم الناس في الفعال ... وأفصح الناس في المقال

إن قلت في ذا البخور: سوقاً ... فهكذا قلت في النوال

يقول: يا أكرم الناس خصالاً وأفعالاً، وأنصحهم كلاماً ومقالاً، إن سقت إلي البخور فقد سقت قبله النوال. وسوقاً نصب لأنه حكاية قوله. وقيل: نصب على المصدر.

وتحدث أبو محمد عن مسيرهم في الليل لكبس باديةٍ وأن المطر أصابهم فقال أبو الطيب في شجاعة الأمير:

غير مستنكرٍ لك الإقدام ... فلمن ذا الحديث والإعلام؟

قد علمنا من قبل أنك من لا ... يمنع الليل همه والغمام

يقول: غير مستعجب إقدامك على الأمور العظام! فلمن تحدث بهذا الحديث؟ وقد علمنا أن الليل والمطر لا يمنعانك عما هممت به، فلمن هذا الحديث والإعلام؟ ثم قال أيضاً لابن طغج وهو عند طاهر العلوي:

قد بلغت الذي أردت من البر ... ومن حق ذا الشريف عليكا

وإذا لم تسر إلى الدار في وق ... تك ذا خفت أن تسير إليكا

يقول: قد قضيت ما عليك من حق هذا الشريف وبره، فارجع إلى دارك، فإني أخاف أنها تسير شوقاً وتشرفاً بحلولك فيها، فقد أوحشتها بغيبتك.

وهم بالنهوض فأقعده أبو محمد فقال له:

يا من رأيت الحليم وغداً ... به، وحر الملوك عبدا

مال علي الشراب جداً ... وأنت للمكرمات أهدى

يقول: يا من رأيت الحليم بالإضافة إليه وغداً، ورأيت الحر من الملوك عند هيبته عبدا.

وجداً: نصب على المصدر، أي أجد جداً.

ويقول: إن السكر قد غلب علي وأنت للمكرمات أهدى من كل أحد فأذن لي فإنه من مكرماتك.

فإن تفضلت بانصرافي ... عددته من لدنك رفدا

الانصراف، صلة من عندك والرفد: العطاء.

يقول: إن أذنت لي في الانصراف حسبته صلة من عندك.

وذكر أبو محمد بن طغج أن أباه استخفى مرة، فعرفه يهوديٌّ فقال مجيباً له:

لا تلومن اليهودي على ... أن يرى الشمس فلا ينكرها

يقول: لا تلومن اليهودي في أن يعرفه، لأنه في اشتهاره كالشمس، فتنكره لا يصير كافياً. وأراد بقوله: لا ينكرها أن يعرفها.

إنما اللوم على حاسبها ... ظلمةً من بعد ما يبصرها

يقول: لا لوم على اليهودي في معرفة أبيك، وإنما اللوم على من يحسب الشمس ظلمة وهو يبصرها! وليس ذلك إلا من يعرف أباك.

وسئل عما ارتجل من الشعر بديها فأعاده، فتعجب قومٌ من حفظه إياه! فقال:

إنما أحفظ المديح بعيني؛ لما أرى في الأمير من خصال حميدة؛ إذا نظرت إليها نظمت إلي تلك الخصال غرائب المعاني المنثورة. فكأن أقرءها من كتاب!

وجرى الحديث في وقعة ابن أبي الساج مع أبي طاهر القرمطي، فاستعظم بعض الجلساء ذلك وجزع له، فقال أبو الطيب لأبي محمد منشداً.

أباعث كل مكرمةٍ طموح ... وفارس كل سلهبةٍ سبوح

المكرمة الطموح: بعيدة الصيت. والسلهبة: الفرس الطويل. والسبوح: الذي يجري جري السابح في الماء. وهي صفة يمدح بها الخيل.

يقول: يا من يفعل كل مكرمة بعيدة الصيت لا ينالها غيره، ويا فارس كل فرس كريمة عتيقة.

وطاعن كل نجلاءٍ غموس ... وعاصي كل عذالٍ نصيح

النجلاء: الواسعة. والغموس: العميقة القعر.

يقول: يا من يطعن كل طعنة واسعة عميقة، ويا من يعصي في القتال، والسخاء كل عذالٍ نصيحٍ في عذله! وروى: كل عذال فصيح.

سقاني الله قبل الموت يوماً ... دم الأعداء من جوف الجروح

يقول: سقاني الله دم الأعداء من جروحهم، وشفى قلبي من الغيظ. بقتلهم. وهذا دعاء بلفظ الخبر.

وأطلق أبو محمد الباشق على سماناتٍ: فأخذها فقال:

أمن كل شيءٍ بلغت المرادا ... وفي كل شأوٍ العبادا؟

فماذا تركت لمن لم يسد ... وماذا تركت لمن كان سادا؟

الألف: للتقرير والإثبات.

يقول: قد نلت مرادك من كل ما طلبت، وسبقت الخلايق في كل غاية أردت، فلم يبق شيء من الفضائل إلا حزته، ولم تترك لمن طلب السيادة فعلاً يسود به، ولم تبق لمن يسد فعلاً يتوصل به إلى السيادة!

<<  <   >  >>