للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن نهاري ليلةٌ مدلهمةٌ ... على مقلةٍ من فقدكم في غياهب

مدلهمة: أي مظلمة. والغيهب: الظلمة.

يقول: إن نهاري أظلم من غيهب، منذ فقدتكم، فكأن مقلتي في ظلمات الليل.

وقيل: أراد أني قد بكيت لشدة الحزن حتى عميت عيني! فلا أبصر شيئاً، فصار نهاري، ليلاً وضيائي ظلاماً، لفقدكم وفراقكم.

بعيدة ما بين الجفون كأنما ... عقدتم أعالي كل هدبس بحاجب

بعيدة: جر لأنه صفة لمقلة وقيل: بدل عنها.

يقول: تباعد ما بين أجفان عيني فلا يلتقي الجفنان، فكأن أعالي أهداب الجفون معقود بشعور الحاجب فلا ينطبق. ومثله لبشار قوله:

جفت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار

ومثله للتهامي:

قصرت جفوني، أم تباعد بينها؟ ... أم صورت عيني بلا أشفار؟

وأحسب أني لو هويت فراقكم ... لفارقته والدهر أخبث صاحب

أي: من عادة الدهر مخالفة هواي! فلو كنت أهوى أني أفارقكم لفارقت الفراق وواصلتموني. ثم ذم الدهر وقال: الدهر أخبث صاحبٍ للإنسان؛ لأن كل صاحب خالفك فهو خبيث. والهاء في فارقته للفراق.

فيا ليت ما بيني وبين أحبتي ... من البعد ما بيني وبين المصائب

يقول: ليت ما بيننا من البعد الحاصل، كان بيني وبين المصائب.

يعني: ليت الأحبة قريبة مني والمصائب قد بعدت.

أراك ظننت السلك جسمي فعقته ... عليك بدرٍّ عن لقاء الترائب

السلك: الخيط وعقته: منعته.

يقول: أظن أنك حسبت جسمي خيط العقد الذي عليك؛ لأنه يشبهه في الدقة، فحجبته بالدر الذي نظمته فيه عن ملاقاة نحرك كما حجبتني عنك، أبعدتني عن قربك.

ولو قلمٌ ألقيت في شق رأسه ... من السقم ما غيرت من خط كاتب

يقول: صرت من الدقة بحيث لو وقعت في شق قلم كاتبٍ لم يغير شيئاً من خطه!! وهذا من مبالغات أبي الطيب المتنبي.

تخوفني دون الذي أمرت به ... ولم تدر أن العار شر العواقب

يقول: أمرتني المحبوبة بترك المخاطرة بالنفس والمال، وخوفتني عواقب المخاطرة، ولم تعلم أن العار الذي يحصل بتحمل الضيم شرٌّ في عاقبته من الخوض في المهالك.

وقيل: معناه أنها أمرتني ألا أزورها شفقة علي وخوفاً من أن أقتل، ولم تدر أن تركي زيارتها هو العار، لأنه يؤدي إلى الجبن والجبن عار العار، وشر العواقب.

ولا بد من يومٍ أغر محجلٍ ... يطول استماعي بعده للنوادب

يقال: أغر محجل إذا كان مشهوراً كشهرة الفرس الأغر المحجل.

يقول: لابد من أن أوقع بيني وبين أعدائي يوماً مشهوراً أقتل فيه الملوك والسادة فأسمع بعد مدة طويلة صياح النساء النوادب يندبن عليهم.

يهون على مثلي إذا رام حاجةً ... وقوع العوالي دونها والقواضب

الهاء في دونها للحاجة.

يقول: إذا طلب مثلي حاجة يسهل عليه الحروب، ولا يبالي بحلول الرماح به، ووقوع السوف عليه حتى يصل إلى مراده؛ لأن الوصول إلى الأمر العظيم يكون بالمخاطرة بالنفس العظيمة.

كثير حياة المرء مثل قليلها ... يزول وباقي عيشه مثل ذاهب

يقول: غاية الإنسان الموت، طالت حياته أم قصرت، وعيشه الباقي إلى نفادٍ، مثل عيشه الماضي، فلم أخاف الموت وأحمل الضيم والذل؟

إليك فإني لست ممن إذا اتقى ... عضاض الأفاعي نام فوق العقارب

يقول للعاذلة: إليك عني، أي كفي لومك، فلست ممن إذا اتقى عظيمةً صبر على مذلة وهوان. فشبه عظيمة بالأفاعي وشبه الذل بالعقارب.

يعني: إن نام فوق العقارب يؤده لسعها إلى الموت، كما لو نهشت الأفاعي، فكذلك العار يؤدي الإنسان إلى الهلاك، بل هو أشد منه؛ فإن ذلك يتكرر، والهلاك دفعة واحدة فهو أسهل، كما أن الهلاك بنهش الأفعى أطيب من تكرار لدغ العقرب.

وقيل: معناه إني لا أهرب من مكروه القتل والموت إلى مكروه العار وقبول الضيم، وإن كان أيسر من الموت، كما أن ضرب العقارب أسهل من ضرب الأفاعي، ومع ذلك فإن أحداً لا يختار ذلك إلا أنا وحدي.

أتاني وعيد الأدعياء وأنهم ... أعدوا لي السودان في كفر عاقب

كفر عاقب: قرية بالشام أو مدينة. وكل قرية يقال لها: كفر. والسودان: قيل أراد به جمع أسود سالح، وهو الحية السوداء.

يقول: إنهم أوعدوني وإنهم أعدوا لي في هذه القرية السودان: أي الدواهي. وقيل: أراد قوماً من الزنج أرصدهم هؤلاء لقتله.

<<  <   >  >>