للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولو صدقوا في جدهم لحذرتهم ... فهل في وحدي قولهم غير كاذب؟!

يقول: لو كانوا صادقين في انتسابهم إلى جدهم، لكنت أحذرهم لمكان وعيدهم، وأعلم أنهم كذبوا في وعيدهم، وأعلم أنهم يقدرون على ما توعدوا لي به، من إلحاق المكروه بي؛ لأن تلك عادة الأشراف، ولكنهم أدعياء، فأعلم أنهم كذبوا في وعيدهم إياي، كما كذبوا في نسبهم.

وقيل: أراد أنهم يكذبون علي في سعايتهم كما يكذبون في انتسابهم إلى غير أبيهم، فلا أخاف مهم، لأن كل أحد يعلم أن سعايتهم في زور وبهتان كنسبهم.

إلي لعمري قصد كل عجيبةٍ ... كأني عجيبٌ في عيون العجائب

يقول: كل عجيبة من حوادث الدهر تقصدني، وكأني عجيب في عيونها، فتقصدني لترى في عجباً!

بأي بلادٍ لم أجر ذوائبي ... وأي مكانٍ لم تطأه ركائبي

يقول: أي مكان لم أسحب فيه ذوائبي عرصاته؟! ولم أجر فيه ذيول الصبا والعز، وأي موضع لم تطأه إبلي؟ إما غزواً للأعداء، أو مدحاً للملوك. ومثله للنميري:

وفي كل أرضٍ للنميري منزلٌ ... وفي كل أرضٍ للنميري صاحب

كأن رحيلي كان من كف طاهرٍ ... فأثبت كوري في ظهور المواهب

يقول: لم يبق في الدنيا موضع إلا قصدته، حتى كأن خروجي من ظهر كف طاهر، وكأن رحلي مشدودة في ظهور مواهبه! فهي تسيرني شرقاً وغرباً.

يعني: أن مواهبه تصل إلى كل أحد، كما بلغت أنا كل موضع، فكأني راكب على ظهر مواهبه، ملتمساً من كفه.

فلم يبق خلقٌ لم يردن فناءه ... وهن له شربٌ ورود المشارب

الشرب: النصيب من الماء. والمشارب: موارد الماء. والكناية في يردن: للمواهب. وفي له: للخلق. وتقديره: فلم يبق خلق لم يردن فناءه ورود المشارب، وهن له شرب.

يقول: لم يبق أحد من الناس إلا والمواهب وردت فناءه، كما يرد الناس المشارب، وهذه المواهب شرب للخلق، ومع ذلك ترد أفنيته الناس، والعادة أن الناس يردون المشارب فيسقون، ولكن مواهبه شربٌ لكل أحد يرد عليه، لا يحوجه إلى أن يقصده المستسقي، وقيل: الهاء في له: للممدوح. يعني: أن المواهب شرب له ينتفع به، كما ينتفع بالماء وارده. وانتفاعه به وهو الدعاء له والثناء عليه.

فتى علمته نفسه وجدوده ... قراع الأعادي وابتذال الرغائب

الرغائب: جمع رغيبة وهو المال المرغوب فيه.

يقول: إن نفسه علمته مضاربة الأعداء والأبطال، وابتذال الأموال، وعلمه هاتين الخصلتين أيضاً آباؤه الكرام، وأجداده العظام وإن مجده وشرفه وسخاءه وشجاعته، ليست بطارئة عليه بل موروثة له.

فقد غيب الشهاد عن كل موطنٍ ... ورداً إلى أوطانه كل غائب

يقول: إن سخاءه انتشر في الناس، فدعا المقيم في وطنه إلى تركه وقصده، وأغنا كل وارد إليه، فرده إلى وطنه برفده. وقابل الشهاد، وهو جمع الشاهد، وأراد به الحاضرين. بقوله: كل غائب وهو واحد، لأنه في معنى الجمع وأراد به الغائبين.

كذا الفاطميون الندى في بناتهم ... أعز امحاءً من خطوط الرواجب

الرواجب: بطون مفاصل الأصابع. الواحد رجبة. وقيل: هي عصبة الأصابع. وروى: أشد امحاءً وأعز امحاءً أي أشد امتناعاً.

يقول: كل من كان من ولد فاطمة مجبول على الجود فلا ينمحي عز أصابعهم، كما تنمحي الرواجب عن الأصابع، بل هي أشد وأمنع.

أناسٌ إذا لاقوا عدىً فكأنما ... سلاح الذي لاقوا غبار السلاهب

يقول: هم أناس إذا لاقوا أعداءهم في الحرب، كان سلاح أعدائهم ودرعهم غبار خيلهم التي ركبوها، فسلاحهم ودروعهم لا ترد عنهم ولا تمنعهم، كما لا يمنعهم الغبار.

وقيل: معناه إنهم إذا لقوا أعداءهم كان أمضى سلاحهم، إثارة الغبار في الهزيمة والهرب يعني أنهم إذا هربوا منعوا أنفسهم من الهلاك كما يمنعوها بالسلاح.

رموا بنواصيها القسي فجئنها ... دوامي الهوادي سالمات الجوانب

الهوادي: الأعناق. والهاء في نواصيها: للسلاهب. وفي جئنها: للقسي.

يقول: رموا بنواصي خيلهم القسي فوصلن إلى القسي داميات الأعناق بالسهام التي وقعت عليها قبل وصلوهن إلى القسي، وأصحابها لم يستدبرن، ولم يعرضن بل مضين قدماً إليهم، وسلمت جوانبهن وأعطافهن. وروى: سائلات الجوانب أي بالعرق.

أولئك أحلى من حياةٍ معادةٍ ... وأكثر ذكراً من دهور الشبائب

<<  <   >  >>