للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

راعتك: أي أفزعتك وروى: راعية الشيب، وجمعها رواعٍ. وروى: رائعة، وهي الفاعل من راعت. وقيل: هي منتشرة كانتشار الغنم في المرعى. والأسحم: الأسود.

يقول: راعتك الشعرات البيض التي انتشرت في عارضي، ولوكان الشعر يبدو أبيض ثم يسود، لخفت من السواد خوفك من البياض، والذي راعك إنما هو علو سني، لا البياض.

لو كان يمكنني سفرت عن الصبا ... فالشيب من قبل الأوان تلثم

يقول: لو قدرت لكشفت البياض عن شعري، حتى أريك صباي، وتعلمين أنت أني شبت قبل الأوان، والشيب قبل أوانه بمنزلة أن يتلثم الإنسان بعمامة بيضاء؛ لأنه لا يورث ضعفاً ولا يوهن قوة، فإنه يكره الشيب لهذا المعنى.

ولقد رأيت الحادثات فلا أرى ... يققاً يميت ولا سواداً يعصم

يقول: جربت حوادث الدهر، فرأيت سواد الشعر لا يمنع من الموت، وبياضه لا يقرب منه، وقد يموت الشاب ويعيش الشيخ.

والهم يحترم الجسيم نحافةً ... ويشيب ناصية الصبي ويهرم

يقول: إن الهم يذيب الجسم، وينقصه حتى يموت الجسم نحافة، وتبيض ناصية الصبي، ويهرم قواه ومعناه: أن الشيب حصل لي من الهم.

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

يقول: العاقل وإن كان في النعيم، فإنه لا يتهنأ به؛ لعلمه بزواله، والجاهل وإن كان في الشقاوة، فهو يتلذذ؛ لجهله بعواقبه.

والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلقٌ ... ينسى الذي يولي وعافٍ يندم

يولي: أي يعطي.

يقول: إن الناس تنكر مراعاة الحقوق والذمم، فالمنعم عليه بإطلاقٍ من الأسر، ينسى يد المنعم عليه فلا يشكر نعمه، والعافي من الإساءة والمنعم على الغير، يندم على ما فعله من النعم.

لا تخدعنك من عدوٍّ دمعةٌ ... وارحم شبابك من عدوٍّ ترحم

أراد: ترحمه، فحذف الهاء.

يقول: إذا قدرت على عدوك فاقتله ولا يخدعنك بكاؤه: وارحم شبابك بذل عدوٍّ ترحمه!

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم

يقول: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى تحميه بالسيف.

قال ابن جنى أشهد بالله لو لم يقل إلا هذا البيت لوجب تقدمه:

يؤذي القليل من اللئام بطبعه ... من لا يقل كما يقل ويلؤم

من في موضع النصب؛ لأنه مفعول يؤذي.

يقول: إن القليل الحقير اللئيم يؤذي بطبعه، من لا يقل كقلته ولا يلؤم كلؤمه.

والظم في خلق النفوس فإن تجد ... ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلم

روى: في خلق، وهي جمع خلقة، ويريد الطبيعة. وروى في خلق، وهو واحد الأخلاق.

يقول: إن الإنسان طبع على الظلم ومن لا يظلم فلعلةٍ تمنعه من ذلك: إما عجز أو خوف، فلو خلي وطبعه لاستعلى على من هو دونه.

يحمى ابن كيغلغ الطريق وعرسه ... ما بين رجليها الطريق الأعظم

أقم المسالح فوق شفر سكينةٍ ... إن المنى بحلقتيها خضرم

الخضرم معناه ظاهر. والمسالح: أصحابه الذين يحفظون الطريق.

يقول: أقم المراصدين فوق امرأتك التي سار الناس للفجور بها، حتى اجتمع هناك من المنى بحر غزير.

وارفق بنفسك إن خلقك ناقصٌ ... واستر أباك فإن أصلك مظلم

يقول: لا تتعرض لمناوأتي فإنك ناقص الخلق، ولا تظهر أباك، فإنك مدخول النسب لا يوقف عليه.

واحذر مناوأة الرجال فإنما ... تقوى على كمر العبيد وتقدم

يقول: احذر معاداة الرجال، فإنما تقوى على استدخال كمر العبيد والإقدام عليها، وهذا رمى له بالأبنة.

وغناك مسألةٌ، وطيشك نفخةٌ ... ورضاك فيشلةٌ، وربك درهم

يقول: إن مالك مكتسب بالسؤال، وإن طيشك: أي خفتك. نفخة: أي لو نفخ عليه لطار، لضعف قلبه.

وقيل: أراد أن خفتك في المورد فلا تأثير له، وأنه إذا غضب ينكح فيرضى وأنه بخيل يعبد الدرهم ويعظمه كأنه ربه.

ومن البلية عذل من لا يرعوي ... عن جهله وخطاب من لا يفهم

يقول: من البلية عذل من لا ينصرف عن الجهل، ومخاطبة الجاهل الذي لا يفهم ما يفهم.

في ذكر أمك للزناة دلالةٌ ... فأحب من ذكر ابنها من يشتم

يقول: إن ذكرت أمك استدل الزناة بذكرها عليها، وأحب الناس إليها من يشتم ابنها ويقول: يابن الزانية؛ ليدل الزناة عليها.

يمشي بأربعةٍ على أعقابه ... تحت العلوج ومن وراءٍ يلجم

<<  <   >  >>