للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: إنها درع حصينة، فكانت الرماح تخط عليها خطاً ولا تنفذها، كما يخط القلم على الألواح ولا ينفذها.

فلا سقى الغيث ما واراه من شجرٍ ... لو زلّ عنه لوارى شخصه الرّخم

روى: لوارى ولوارت وجسمه وشخصه وروى الرجم أي القبر والحجارة. وما في موضع نصب، لأنه مفعول سقي.

يعني: أنه لولا دخوله فيما بين الأشجار. وتواريه، لكان يقتل، ولكانت الرخم تأكله وتوارى شخصه، أو يواريه قبره فلا سقى الله هذا الشجر.

ألهى الممالك عن فخرٍ قفلت به ... شرب المدامة والأوتار والنّغم

الممالك: أي أهل الممالك، فحذف المضاف.

يقول: شغل الملوك عن هذا العز الذي رجعت به، شربهم المدام، واشتغالهم بسماع اللهو، وأصوات أوتار البربط والعود والنغم، وهي الأصوات الطيبة.

مقلّداً فوق شكر الله ذا شطبٍ ... لا تستدام بأمضى منهما النّعم

مقلداً: نصب على الحال، أي قفلت مقلداً. وشطب السيف: طرائقه.

يقول: قفلت من الغزو، وأنت مقلداً سيفاً ذا شطب، فوق شكر الله تعالى على ما أولاك من الظفر وكساك من النصر، فجعلت الشكر دثاراً والسيف شعاراً.

ثم قال: إن النعم لا تستدام بشيء أمضى من شكر الله تعالى، ومن السيف القاطع؛ لأن الشكر يحرس النعم من الزوال ويحفظها من حوادث الأيام والانتقال والسيف يذب عنها كيد الحساد فتدوم النعم.

ألقت إليك دماء الرّوم طاعتها ... فلو دعوت بلا ضربٍ أجاب دم

يقول: دماء الروم تطيعك، فلو دعوتها بلا سيف لاجابتك.

يعني: أنك قدرت على سفك دمائهم على أي وجه أردت.

يسابق القتل فيهم كلّ حادثةٍ ... فما يصيبهم موتٌ ولا هرم

يقول: القتل يسبق إلى الروم كل حادثة، فيميتهم القتل قبل أن يصيبهم شيب ولا هرم، ولا شيء من حوادث الأيام.

نفت رقاد عليٍّ عن محاجره ... نفسٌ يفرّح نفساً غيرها الحلم

يقول: نفي عن عينه النوم نفسه النفيسة، وهمته العالية، وكل نفس غيرها تسر بالأحلام الكاذبة.

القائم الملك الهادي الّذي ... شهدت قيامه وهداه العرب والعجم

يقول: هو قائم بشرائط الملك ومدبر لأمر رعيته، وهاد إلى معالم الدين، وقد حضرت ذلك منه، وعلمته سائر العرب والعجم.

ابن المعفّر في نجدٍ فوارسها ... بسيفه وله كوفان والحرم

يقول: هو ابن الذي قتل فرسان نجد، وعفرهم بالتراب، وهو قد ملك الكوفة والحجاز واستولى عليهما وكوفان: هي الكوفة ونواحيها. والحرم: مكة والمدينة. وأراد بما ذكر محاربة أبي الهيجاء والد سيف الدولة للقرامطة أصحاب الأحساء والبحرين.

وروى: وابن المعقر بالقاف وهو المقطع، من عقرت الدابة.

لا تطلبنّ كريماً بعد رؤيته ... إنّ الكرام بأسخاهم يداً ختموا

يخاطب نفسه أو صاحبه يقول: لا تطلب أحداً كريما بعد رؤيته فإن الكرام ختموا بأسخاهم، وهو سيف الدولة.

ولا تبال بشعرٍ بعد شاعره ... قد أفسد القول حتّى أحمد الصّمم

الهاء في شاعره لسيف الدولة، وأحمد الصمم أي وجد محموداً.

يقول: لا تفكر في شعر بعد شاعر سيف الدولة، وعنى به نفسه، فإن الشعراء قد ختموا به كما ختم الكرام بسيف الدولة، وهو خاتم الكرام وأنا خاتم الشعراء، وقد أفسد الشعر حتى صار الصمم محموداً، لأن الإنسان إذا سمع شعر أهل هذا العصر، تمنى أن يكون أصم لا يسمع لفساده واختلاله.

بذا آخر مدائحه في سيف الدولة، وما قاله فيه بحلب.

ثم مدحه بمصر بهذه الدالية.

فارقتكم فإذا ما كان عندكم ... قبل الفراق أذىً بعد الفراق يد

يقول معرضاً بسيف الدولة: كانت منكم أحوال أكرهها، فأعدها قبل الفراق أذى، فكنت أتأذى، فلما فارقتكم صارت تلك الإساة والأذى نعمة إلي وإحساناً، من حيث إني إذا تذكرتها أزالت عني الشوق: وقيل: إن معناه، شكرتكم قبل أن أجرب غيركم، فعلمت أن ما ظننته أذىً كان نعمة.

إذا تذكّرت ما بيني وبينكم ... أعان قلبي على الشّوق الّذي أجد

يقول: كلما اشتد حزني على مفارقتكم، وغلب علي الاشتياق إليكم، تذكرت ما كنتم تعاملونني به من الإساءة، فأتسلى وتطيب نفسي لفراقكم، فيكون الأذى من هذه الجهة نعمة ويداً.

وعلى الثاني: إذا تذكرت ما بيننا من الأحوال زادني الشوق والحزن على الفراق.

<<  <   >  >>