للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التقدير والمعنى: إذا رأى البيض رأس من يلبس البيض، ورأى هذه المرأة، علم أن المقانع أعلى منزلة من البيض؛ لأنها على رأسها، وهي أشرف من الرجال الذين يلبسون البيض واليلب.

فإن تكن خلقت أنثى فقد خلقت ... كريمةً غير أنثى العقل والحسب

الحسب: ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، وقيل: هو كرم الخلق.

يقول: إنها وإن كانت أنثى، فعقلها وحسبها مثل الذكور وحسبهم.

وإن تكن تغلب الغلباء عنصرها ... فإن في الخمر معنىً ليس في العنب

تغلب: قبيلة؛ فلهذا أنثها فوصفها بالغلباء وهي تأنيث الأغلب والعنصر: الأصل.

يقول: هي وإن كانت من تغلب، ففيها من معاني الكمال وأنواع الخصال ما ليس في تغلب، كما أن الخمر وإن كانت من العنب، ففيها معان ليست فيه: من التفريح، والتصحيح للأبدان وطيب الرائحة، وغير ذلك. ومثله قوله في سيف الدولة:

وإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإنّ المسك بعض دم الغزال

وكقوله في نفسه:

وما أنا منهم في العيش فيهم ... ولكن معدن الذّهب الرّغام

فليت طالعة الشّمسين غائبةٌ ... وليت غائبة الشّمسين لم تغب

يقول: كانت كالشمس فليتها بقيت ولم تغب، وليت الشمس التي تطلع كل يوم غابت وفقدت.

وليت عين الّتي آب النّهار بها ... فداء عين الّتي زالت ولم تؤب

العين الأولى: قرص الشمس، والثانية: عين المرأة المرثية.

وقيل: أراد بالعين نفس المرثية.

يقول: ليت عين الشمس التي تعود كل يوم بعد غروبها فداء عين هذه المرأة، أو فداء نفسها التي زالت بالموت ولم ترجع.

فما تقلّد بالياقوت مشبهها ... ولا تقلّد بالهنديّة القضب

يقول: ليس لها شبيه في النساء اللاتي يتقلدن بالحلي، ولا في الرجال الذين يتقلدون بالسيوف. والقضيب: السيف اللطيف الدقيق.

ولا ذكرت جميلاً من صنائعها ... إلاّ بكيت ولا ودٌّ بلا سبب

يقول: ولم أذكر جميل صنائعها إلا بكيت، وليس ودي لها بلا سبب، بل أودها لإحسانها إلي، وكل أحد إذا ود غيره فإنما يوده بسبب.

قد كان كلّ حجابٍ دون رؤيتها ... فما قنعت لها يا أرض بالحجب

يقول: كانت محجوبة لا تصل إليها العيون، فلم ترض بهذه الحجب، حتى حجبتها بنفسك.

ولا رأيت عيون الإنس تدركها ... فهل حسدت عليها أعين الشّهب؟!

يقول مخاطباً للأرض: ما رأيت أحداً من الإنس يراها، فهل حسدت الكواكب على رؤيتها حتى حجبتها بنفسك عن إدراك الكواكب لها؟!

وهل سمعت سلاماً لي ألمّ بها؟ ... فقد أطلت وما سلّمت من كثب

يقول للأرض: أطلت عليها السلام، وأنا بعيد منها، فهل سمعت سلامي وصل إليها وهي في بطنك؟

وكيف تبلغ موتانا الّتي دفنت ... وقد يقصّر عن أحيائنا الغيب؟

الغيب: جمع غائب.

يقول مستبعداً لوصول سلامه إليها: كيف يصل سلامي من المكان البعيد إلى من دفن في التراب؟ وهو يقصر عن الأحياء الغيب! فالميت أحرى ألا يصل إليه السلام. وقيل: أراد بالحي سيف الدولة.

يا أحسن الصّبر زر أولى القلوب بها ... وقل لصاحبه: يا أنفع السّحب

الهاء في بها للمرأة المرثية، وفي صاحبه تعود على: أولى القلوب.

يقول: يا أحسن الصبر زر قلب سيف الدولة، فإنه أولى القلوب بأخته، وأقربهم منها، وقل لصاحب ذلك القلب: يا أنفع السحب؛ لأن عطاياه مهنئة، بلا من ولا كدر، كالسحاب بلا صاعقة.

وأكرم النّاس لا مستثنياً أحداً ... من الكرام، سوى آبائك النّجب

النجب: جمع نجيب، وهو الكريم. ومستثنياً: نصب على الحال. أي قل غير مستثن.

يقول: وقل لصاحبه يا أكرم الناس كلهم، من غير أن تستثني أحداً من الكرام، سوى آبائه الكرام الذين هو ينسب إليهم.

قد كان قاسمك الشّخصين دهرهما ... وعاش درّهما المفدىّ بالذّهب

المعنى: يا أحسن الصبر زر أولى القلوب به وقل لصاحبه: قد كان قاسمك الدهر أختيك فأخذ لنفسه الصغرى وترك لك الكبرى، فكانت كالذهب فدى به الدر. شبه الصغيرة بالذهب، والكبيرة بالدر في النفاسة.

وعاد في طلب المتروك تاركه ... إنّا لنغفل والأيّام في الطّلب

يقول: قد ترك لك الدهر الكبرى منهما، فعاد تاركها في طلب المتروكة. وهذا مثل قول الآخر:

<<  <   >  >>