للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: تكسبت من هذا الممدوح جوهراً نافذا، وفهماً ثاقباً، يغوص في المعنى، كالسيف الذي له الفرند، وتكسب ثنائي منك سيفاً قاطعاً، منه فرنده وماؤه في الأصل جوهر كريم.

وقيل: أراد حصل ثنائي عليك عند مستحقه، فهو عليك كالجوهر في السيف اليماني.

ولولا كونكم في النّاس كانوا ... هذاء كالكلام بلا معاني

وروى: هراء وهو اللغو الفاسد من الكلام، كما أن الكلام إنما يفيد بالمعنى، فإذا عرى عن المعنى صار لغوا، فأنتم في الناس كالمعنى في الكلام.

وقال يمدحه وقد ورد الخبر بانهزام وهسوذان ويذكر ذلك في جمادى الأولى، وكان ركن الدولة أنفذ إليه جيشاً من الري فهزمه وملك بلده:

إثلث فإنّا أيّها الطّلل ... نبكي وترزم تحتنا الإبل

إثلث: أي كن ثالثا. والإرزام: الحنين.

يقول: أيها الطلل كن ثالثاً في البكاء والحنين على فراق الأحبة، فإنا نبكي وإبلنا ترزم، فابك أنت أيضاً تكن لنا ثالثاً.

أولا فلا عتبٌ على طللٍ ... إنّ الطّلول لمثلها فعل

الهاء في مثلها ضمير الحالة المضمرة: وإن لا تبك معنا فلا عتب عليك في تركك البكاء.

لو كنت تنطق قلت معتذراً ... بي غير ما بك أيّها الرّجل

يقول: لو كنت أيها الطلل ناطقاً لقلت معتذراً عن ترك البكاء: إن ما بي غير ما بك أيها الرجل، لأن الذي بي هو الموت، ولا بكاء معه وبك الحياة، فإذا كان تركي البكاء لأجل الموت الحال بي، كنت معذوراً فيه. وقوله: معتذرا نصب على الحال.

أبكاك أنّك بعض من شغفوا ... ولم أبك أنيّ بعض ما قتلوا

هذا تفسير لقول الطلل: بي غير ما بك.

يقول: لو كان الطلل ممن ينطق لقال لي: إنما بكيت لأنهم شغفوك حباً، ولم أبك لأنهم قتلوني بالرحيل، فلا قدرة لي على البكاء.

يعني: هذا الطلل ارتحل عنه أهله، فبادت رسومه، ودرست أعلامه، ونحن أحياء نشكو الشوق فإذا لم يبك معنا فهو معذور.

وإنما قال: بعض من شغفوا وبعض ما قتلوا لأن من لما يعقل وما لما لا يعقل.

إنّ الذين أقمت وارتحلوا ... أيّامهم لديارهم دول

هذا أيضا من كلام الطلل، وقيل: هو خطاب منه لنفسه.

يقول الطلل: إن الذين ارتحلوا وأقمت أنت بعدهم، أو يقول: إن الذين ارتحلوا عن هذا الطلل وأقمت بعدهم أيامهم دول لديارهم، إذا حلوها عمرت وإذا ارتحلوا عنها خربت وزالت دولتهم.

الحسن يرحل كلّما رحلوا ... معهم وينزل حيثما نزلوا

هذا تفسير لقوله: أيامهم لديارهم دول يعني: أن حسن الطلل بأهله، فكلما حلوا به حسن، وإذا ارتحلوا عنه ارتحل الحسن معهم فهو ينزل بنزولهم ويرحل برحيلهم.

في مقلتي رشإٍ تديرهما ... بدويةٌ فتنت بها الحلل

يقول: هذا الحسن الذي يرحل برحيلهم في مقلتي غزال بدوية قد فتنت الحلل بحسنها وملاحتها.

والحلل: جمع حلة، وهي بيوت الأعراب المجتمعة.

تشكو المطاعم طول هجرتها ... وصدودها ومن الّذي تصل؟

يصفها بقلة تناول الطعام، وذلك مما يحمد في النساء.

يقول: هي تصد عن الطعام كما تصد عن العشاق. والطعام يشكو هجرها وصدها عنه، فإذا كانت عادتها الصدود عنه مع أن أحداً لا يهجر الطعام فمن الذي تصله هي من الناس؟! مع وجود هذه العادة فيها.

ما أسأرت في القعب من لبنٍ ... تركته وهو المسك والعسل

ما بمعنى الذي، وهو في موضع النصب بأسأرت والقعب: القدح.

يقول: إذا شربت لبناً فبقي بعد شربها شيء، فذاك يكتسب من فمها طيبها وحلاوتها، فيصير كالعسل والمسك.

قالت: ألا تصحو؟! فقلت لها: ... أعلمتني أنّ الهوى ثمل

الثمل: السكر، والثمل السكران.

يقول: قالت لي المحبوبة: ألا تصحو من هواك؟! فقلت لها: قد أعلمتني أن الهوى السكر، لأن الصحو إنما يكون عن السكر.

لو أنّ فنّا خسر صبّحكم ... وبرزت وحدك عاقه الغزل

يقول: إن عضد الدولة - مع اهتمامه بأمر الملك، وقله اشتغاله باللهو والغزل - لو قصد قومك وبرزت أنت وحدك لرددته عن قومك بحسنك وملاحتك.

وتفرّقت عنكم كتائبه ... إنّ الملاح خوادعٌ قتل

يقول: لو خرجت لعضد الدولة، لفتنته حتى تفرقت عنكم عساكره وكتائبه لاشتغاله بك عن الحرب؛ لأن الملاح خوادع قاتلات.

ما كنت فاعلةً وضيفكم ... ملك الملوك وشأنك البخل

<<  <   >  >>