للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أتمنّعين قرىً فتفتضحي ... أم تبذلين له الّذي يسل؟

يقول: كيف تصنعين لو نزل بك عضد الدولة وهو ملك الملوك، مع ما أنت عليه من البخل، إن منعت قراه تفتضحين، وإن بذلت له ما يسأله منك، تركت عادتك في البخل، فأيهما تختارين؟

بل لا يحلّ بحيث حلّ به ... بخلٌ ولا جورٌ ولا وجل

يقول: لا يحل موضعا يحل به عضد الدولة، بخل ولا جور ولا خوف: أي حيثما يحل نفي هذه الأحوال عن أهلها بجوده، وأمنه، وعدله.

وقيل: أراد بالجود ما تستعمله هذه المرأة من المنع والخوف، خوف الرقباء.

ملك إذا ما الرّمح أدركه ... طنبٌ ذكرناه فيعتدل

الطنب: الاعوجاج.

يقول: إن الرمح إذا اعوج إما صورة أو قصورا عن الحمل فإذا ذكرنا اسمه عند ذلك، زالت عنه الآفة.

إن لم يكن من قبله عجزوا ... عمّا يسوس به فقد غفلوا

يقول: إن لم يكن لأحد من الملوك قبله مثل سياسته فإما أن يكونوا غفلوا عنها، أو لم يكونوا قادرين عليها، فعجزوا عن إدراكها.

حتّى أتى الدّنيا ابن بجدتها ... فشكا إليه السّهل والجبل

ابن بجدتها: أي العالم بها. والبجدة: دخيلة الأمر.

يقول: لم يكن لأحد قبله مثل سياسته. حتى أتى الدنيا العالم بحقائقها وبواطن أمور أهلها، فشكا إليه أهل السهل والجبل ما قاسوا قبله من الجور، فعمهم بعدله وأزال عنهم كل جور.

شكوى القليل إلى الكفيل له ... ألاّ يمرّ بجسمه العلل

يقول: شكا إليه أهل السهل والجبل ما قاسوا من الجور وغيره، كما يشكو المريض إلى من كفل له ألا يمر بجسمه الأمراض، وهو الطبيب الحاذف بجيمع أنواع الأسقام.

يعني: يزيل آثار الجور ويمحو رسومها، كما يفعل الطبيب الماهر بمداواة العليل.

قالت فلا كذبت شجاعته ... أقدم فنفسك ما لها أجل

فاعل قالت: شجاعته. وقوله: فلا كذبت دعاء له واعتراض بين القول والمقول له.

يقول: قالت شجاعته: أقدم فما لنفسك أجل ولا يدنو منك موت، ثم دعا له بالبقاء فقال: فلا كذبت شجاعته أبداً في قولها: إن نفسه ليس لها أجل.

يعني: إن جرى مثل في الجود والعلم والحلم وكل فضل فهو النهاية في ذلك المثل، وكذلك هو الغاية، إذا قيل: من البطل في الحروب.

عدد الوفود العامدين له ... دون السّلاح الشّكل والعقل

الشكل: جمع شكال، وهو للخيل. والعقل: للإبل، وهو جمع عقال.

يقول: إن عدة الزوار القاصدين إليه هي الشكل والعقل، دون السلاح.

يعني: أنهم إذا قصدوه استعدوا الشكل للخيل، والعقل للإبل، ثقة منهم بتحقيق آمالهم. وقوله: دون السلاح يعني أنه لا يلقاه إلا عاف يستميح، فأما المحارب فلا يجسر على لقائه.

فلشكلهم في خيله عملٌ ... ولعقلهم في بخته شغل

البخت: جمع بختة وهي الجمال الخرسانية.

يقول: إن شكلهم وعقلهم مشغولة بما قاده إليهم من الخيل والإبل، فلا يفضل لهم شكال ولا عقال.

تمشي على أيدي مواهبه ... هي أو بقيّتها أو البدل

روى تمشي وتمسي بالسين.

يقول: تمشي الخيل والإبل على أيدي مواهبه: أي مواهبه تتصرف في خيله وإبله وتلي أمرها. يعني: إن زاره قوم أعطاهم الخيل والإبل، فإن بقي منها بقية وهبها لقوم آخرين، وإن لم يبق منها شيء، وهب بدلها من سائر الأموال والنفائس.

يشتاق من يده إلى سبلٍ ... شوقاً إليه ينبت الأسل

السبل: المطر، يريد به هنا الحرب. والأسل: الرماح.

يشتاق هو إلى قتل أعدائه وإراقة دمائهم، والرماح إنما تنبت شوقاً إلى ذلك السبل؛ لأنه يعملها في حروبه، ويريق بها دماء أعدائه. وقيل: أراد بالسبل جود يده.

سبلٌ تطول المكرمات به ... والمجد لا الحوذان والنّفل

الحوذان والنفل: نبتان طيبان. يعني: هذا السبل ليس بمطر ينبت العشب، ولكنه حرب ينبت به المكارم والمجد.

وإلى حصى أرضٍ أقام بها ... بالنّاس من تقبيله يلل

اليلل: قصر الأسنان، وقيل انعطافها إلى داخل الفم.

يقول: من كثرة ما قبل الناس الحصى بين يديه، حصل لهم في أسنانهم قصر وانعطاف.

وقال ابن جني: أراد أن الناس لكثرة ما يقبلون الأرض بين يديه حدث بهم انحناء وانعطاف، كما تنعطف الأسنان إلى داخل الفم. قال: وهذا من اختراعات المتنبي.

إن لم تخالطه ضواحكهم ... فلمن تصان وتذخر القبل؟

<<  <   >  >>