للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: بنوك زين آبائك، يتزينون بهم وبسؤددهم وكرمهم، كما يتزين القضيب بالنور. ولم يجعل أبناءه زيناً له كما جعله زين أبيه، لأنه لم يرد تفضيل أولاده عليه كما فضله على أبيه؛ لما في ذلك من الحط من منزلته. فجعلهم زينا لجدودهم. يعني: أن آباءك يتزينون ببنيك كما تزينوا بك.

فخراً لدهرٍ بتّ من أهله ... ومنجبٍ أصبحت من عقبه

فخراً: نصب على المصدر، بإضمار فعل. أي: فليفخر الدهر فخراً، حيث صرت من أهله، وليفخر أبوك المنجب فخراً، حيث أصبحت من عقبه.

إنّ الأسى القرن فلا تحيه ... وسيفك الصّبر فلا تنبه

الهاء في تحيه للأسى، وهو الحزن. ونبا السيف ينبو: إذا لم يقطع، وأنباه صاحبه: إذا ضرب به فلم يقطع في يده.

يقول: إن الحزن قرن من أقرانك، فلا تحيه. أي: لا تمكنه من قلبك، إذ ليس عادتك أن يقاومك قرن، والصبر سيفك الذي تقتل به الأسى فاقتله به ولا تنبه عنه، فليس من عادتك أن ينبوا السيف في يدك.

ما كان عندي أنّ بدر الدّجى ... يوحشه المفقود من شهبه

الشهب: جمع شهاب، وهو الكوكب، والهاء للبدر، لما جعله بدراً جعل أهله كواكب فقال: إن البدر لا يستوحش من فقد كوكب، فليس ينبغي لك أن تستوحش لفقد واحد منهم.

حاشاك أن تضعف عن حمل ما ... تحمّل السّائر في كتبه

السائر: الذي حمل الخبر إليه، والهاء في كتبه للسائر.

يقول: كيف تضعف عن حمل هذا الخبر الذي حمله الفيج الذي سار به إليك وتضمنه كتاب! وقيل: أراد بالسائر: المثل السائر. والمعنى: أن الأمثال قد سارت والأخبار قد تظاهرت بفضل الصبر على المصائب وذكر قوم تحملوا غصصها، ففضلوا بذلك على غيرهم. فقال: حاشاك أن تضعف عما قوى عليه غيرك من الصبر ممن سارت بأخبارهم الصحف والكتب حيث ذكر فيها صبر من صبر.

وقد حملت الثّقل من قبله ... فأغنت الشّدّة عن سحبه

الشدة: القوة، والهاء في قلبه للمفقود.

يقول: حملت ثقل الشدائد من المصائب وغيرها من الأمور العظيمة، قبل المصيبة بهذا المفقود، فأغنت القوة التي بك عن سحب ما حملته من الشدائد؛ لأن الإنسان إذا ثقل عليه شيء جره وسحبه، فيعود الضمير في سحبه على الثقل.

وقيل: يرجع إلى ما ترجع إليه الهاء في قبله وهو المفقود.

يدخل صبر المرء في مدحه ... ويدخل الإشفاق في ثلبه

الإشفاق: الجزع.

يقول: المرء يمدح على الصبر، ويذم بالجزع، فإياك أن تجزع إذ ليس من عادتك أن تأتي أمراً تذم عليه.

مثلك يثنى الحزن عن صوبه ... ويستردّ الدّمع عن غربه

الصوب: الإصابة، وقيل: الصوب: الناحية والقصد. والغرب: مجرى الدمع من العين.

يقول: من كان مثلك رد الجزع عن طريقه وقصده، أو عما يريد إصابته، ويرد الدمع من عينه، ولا يسيل فيدل على جزعه.

إيما لإبقاءٍ على فضله ... إيما لتسليمٍ على ربّه

إيما: معناه إما. والإبقاء: الرعاية والمحافظة. والتسليم: الرضا بالقضاء.

يعني: مثلك يصبر: إما مراعاةً لفضله كي لا يذم بالجزع، وإما رضاءً بقضاء الله وحكمه.

ولم أقل مثلك أعنى به ... سواك يا فرداً بلا مشبه

لما قال: مثلك يثنى الحزن أثبت له مثلاً في الظاهر، فاعتذر عنه وقال: لم أرد بقولي: مثلك إنساناً سواك، وإنما أردت أنت الذي تفعل ذلك، ومثل صلة، وزيادة. وهذا مثل قوله:

كفاتكٍ. ودخول الكاف منقصة ... كالشّمس قلت، وما للشّمس أمثال

وقال أيضاً يمدحه، وقد جلس الأمير عضد الدولة ليشرب في مجلس متخذ له تدور غلمان بأعلاه وتنثر الورد على فرقه من جميع جوانبه، حتى يتورد المجلس ومن فيه، وحضر أبو الطيب فقال ارتجالاً سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.

قد صدق الورد في الّذي زعما ... أنّك صيّرت نثره ديما

الديم: جمع ديمة، وهي المطرة تدوم أياماً.

يقول: صدق الورد في زعمه أنك صيرت منثوره أمطاراً. شبه أوراق الورد في نزوله من أعلى السماء متفرقةً بقطر الأمطار.

كأنّما مائج الهواء به ... بحرٌ حوى مثل مائه عنما

العنم: نبت أحمر. وحوى: أي امتلأ. والهاء في به للورد.

يقول: كأنما الهواء الذي يموج بالورد بحر ملآن بالعنم، مثل مائه. شبه الصفة بالبحر، والورد بالعنم، وشبه الورد في الهواء، وموجه فيه، ببحر ماؤه عنم.

<<  <   >  >>