للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ناثره ناثر السّيوف دماً ... وكلّ قولٍ يقوله حكما

دماً وحكماً نصب على التمييز، ونصب كل قول بفعل مضمر. أي: وينثر كل قول. وقيل: نصبه عطفاً على موضع السيوف معنىً كقوله تعالى: " وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ والْقَمَرَ حُسْبَاناً ". ويجوز جره عطفاً على لفظ السيوف، غير أنه لما عطف عليه البيت الذي يليه منصوب القافية منع فيه الجر.

يقول: ناثر هذا الورد هو الذي ينثر السيوف دماً. أي: يكسرها على رءوس أعدائه ويطرحها مختضبة بالدم، وإذا قال قولاً ينثر الحكم في كل قول يقوله.

والخيل قد فصّل الضّياع بها ... والنّعم السّابغات والنّقما

أي ينثر أيضا خيله ونعمه وضياعه. أي: يفرقها ويهبها. يعني: أنه ينثر الخيل منظومة مفصلةً بالنعم والنقم.

فليرنا الورد إن شكا يده ... أحسن منه من جوده سلما

يقول: إن الورد إن كان يشكو يده في نثرها له، فليرنا الورد أحسن منه، هل سلم من جوده؟؟! أي لا معنى لشكايته من يد عادتها تفريق ما هو أحسن منه من الذخائر النفيسة، والجواهر الجليلة، فأي قدر للورد عندها.

وقل له لست خير ما نثرت ... وإنّما عوّذت بك الكرما

أي: قل للورد، لست بخير من الأموال التي تنثرها يده، وإنما نثرك الآن تعويذاً لكرمه من أن يصاب بالعين.

خوفاً من العين أن يصاب بها ... أصاب عيناً بها يعان عمى

عين الرجل يعان: إذا أصيب بعين. وخوفاً نصب على المفعول له. أي: إنما نثرك الآن عوذه لكرمه أن يصاب بالعين، ثم دعا على العين التي تصيب كرمه فقال: أعمى الله عيناً عانته وهمت بإصابته.

وقال أيضاً يمدحه وقد ورد الخبر بهزيمة وهسوذان بعد الكرة الأولى وضربت الدبادب على باب الملك عضد الدولة. فقال أبو الطيب في جمادى الآخرة.

أزائرٌ يا خيال أم عائد؟ ... أم عند مولاك أنّني راقد؟

الزيارة: للصحيح، والعيادة: للمريض. ومولاك: أي صاحبك. يخاطب خيال المحبوبة ويقول: أجئتني زائراً أم عائداً؛ لما نالتني العلة من حب صاحبك؟! وما لحقتني من الغشية شوقاً إليه؟! أم ظن صاحبك أني نائم فبعثك إلي زائراً كما يزور الطيف في المنام، وليس الأمر كما ظن فإني لست براقد.

ليس كما ظنّ غشيةٌ لحقت ... فجئتني في خلالها قاصد

قاصد في موضع نصب على الحال، فجعله مقيداً لأجل القافية.

يقول للخيال: ليس كما ظن صاحبك أني نائم، وإنما نالتني غشية لشدة الشوق فجئتني في خلال هذه الغشية قاصداً، حيث حسبت أني نائم، ولأن العاشق لا ينام وإنما يغشى عليه. ومثله:

وإنّي لأستغشى وما بي غشيةٌ ... لعلّ خيالاً منك يلقى خياليا

عد وأعدها فحبّذا تلفٌ ... ألصق ثديي بثديها النّاهد

الهاء في أعدها للغشية.

يقول: عد يا خيال؛ وأعد الغشية التي كانت بي، فإني أحتملها من أجلك، فحبذا حال جمعت بيني وبينك، وإن كان فيها تلف النفس، فضلا عن الغشية والثدي الناهد: هو المشرف. والهاء في ثديها للمحبوبة.

وجدت فيها بما يشحّ به ... من الشّتيت المؤشّر البارد

الهاء في فيها للغشية. ويشح: أي يبخل. والشتيت: المتفرق من الثغر. والمؤشر: الذي في طرفه تحزيز وحدة، يكون ذلك في أطراف أسنان الأحداث.

والمعنى: وجدت أيها الخيال في حال الغشية بما يشح صاحبك به في حال اليقظة من الشتيت الموشر البارد: أي كنت تبخل بتقبيلي فمك، وارتشا في الثغر البارد الريق، فجدت في حال المنام.

إذا خيالاته أطفن بنا ... أضحكه أنّني لها حامد

خيالات: جمع خيالة، وقيل: جمع خيال، نحو جوابات وجواب، فكأن الخيال والخيالة لغتان مثل: مكان ومكانة، وجمعه وإن كان واحداً لأنه رآه دفعات كل دفعة خيالا، فصارت خيالات، والهاء في خيالاته وأضحكه يعود إلى مولاك، وفاعل أضحكه: أنني وصلته. ويقال: أطاف الخيال يطيف، وطاف يطوف.

يقول: إذا طاف بي خيال صاحب فحمدته، أضحك صاحبه حمدي إليه لخياله، من حيث أن الخيال لا حقيقة له، وليس بشيء يحمد فضحك لذلك.

وقال: إن كان قد قضى أرباً ... منا فما بال شوقه زائد؟

زائد: في موضع نصب على الحال.

يقول: قال مولى الخيال: إن كان قد قضى حاجته من خيالي، فلم شوقه إلي زائد؟ فهلا تسلي عني، وقنع بالطيف الذي يزوره؟ ومثله لآخر:

<<  <   >  >>