للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول لوهسوذان: اجتهدت في طلب الملك، فخاب سعيك، وقد رأينا من كان سبب خيبته، اجتهاده. وحرصه، وهذا كما قيل: الحريص محروم فكأنه قال: إن الإمارة والدولة بتوفيق الله تعالى، ومن مواهبه، لا تنال بالجد والاجتهاد.

ومتّقٍ والسّهام مرسلةٌ ... يحيص عن حابضٍ إلى صارد

يحيص: أي يعدل. وحابض: من قولهم حبض السهم يحبض حبضا فهو حابض، إذا وقع بين يدي الرامي لضعفه ولم يصل إلى الغرض. والصادر: من قولهم صرد السهم صردا، إذا نفذ من الرمية إلى ما وراءها.

يقول: رب متق من سهام مرسلة يعدل عنها من قرب، ويمر إلى الهدف حتى تصيبه يعني: ورب إنسان يحذر ما لا يصيب، ويفر إلى ما فيه هلاكه.

فلا يبل قاتلٌ أعاديه ... أقائماً نال ذاك أم قاعد

يعني: الغرض قتل العدو، فسواء قتلته بنفسك، أو قتله غيرك ممن هو منك، وأنت قاعداً - وقاعد في موضع نصب عطفاً على قائم وقوله: فلا يبل أصله فلا يبالي، فحذف الياء للجزم ثم حذف الألف أيضاً تخفيفاً.

ليت ثنائي الّذي أصوغ فدى ... من صيغ فيه، فإنّه خالد

الهاء في فإنه للثناء وفي فيه للممدوح.

يقول: إن ثنائي الذي أصوغه في عضد الدولة يبقى مخلداً، فليت أن الله جعله فداء من مدحته ليدوم ملكه خالداً كما دام هذا الثناء.

لويته دملجاً على عضدٍ ... لدولةٍ ركنها له والد

يقول: صغت مدحي دملجاً يزينه، كما يزين الدملج العضد، ولما كان الممدوح ملقباً بعضد الدولة جعل شعره دملجاً عليه؛ لما بين العضد والدملج من المناسبة؛ لأن الدملج زين العضد. ثم قال: ركنها له والد أي ركن هذه الدولة والد لعضد الدولة، أورد لقبه ولقب أبيه بلفظ وجيز، والهاء في لويته للثناء وفي له للعضد، والعضد: مؤنثة ولكنه رد الهاء إليها بلفظ التذكير، حملا على المعنى؛ لأنه أراد الممدوح، وهو مذكر، فرد الضمير إليه.

وخرج عضد الدولة يتصيد ومعه الكلاب والفهود والبزاة والشواهين وعدد الصيد، ما لم يرم مثله كثرةً، وكن يسير قدام الجيش يمنه ويسرةً فلا يطير شيء إلا وصاده، حتى وصل إلى دشت الأرزن، وهو موضع حسن على عشرة فراسخ من شيراز، كثير الصيد تحف به الجبال، والأرزن، فيه غاب وماء ومروج، وكانت الأيائل تصاد ويقتل بعضها، ويقبل بعضها يمشي والحبل في قرونها، وكانت الوعول تعتصم بالجبال، وتدور بها الرجال، وتأخذ عليها المضايق، فإذا أثخنها النشاب لجأت إلى مواضع لا تحملها، فهوت من رءوس الجبال إلى الدشت، فسقطت بين يديه، فمنها ما يطيح قرنه. ومنها ما يؤخذ ويذبح فتخرج نصول النشاب من كبده وقلبه، فأقام بها أياماً على عين حسنة وأبو الطيب معه، ثم قفل فقال أبو الطيب يمدحه في رجب سنة أربع وخمسين وثلاث مئة:

ما أجدر الأيّام واللّيالي

بأن تقول ماله وما لي؟

لا أن يكون هكذا مقالي

يقول: ما أخلق الأيام والليالي بأن تتظلم مني وتستغيث من يدي فتقول: ما لهذا الرجل ومالي؟! وقوله: لا أن يكون هكذا مقالي: يعني: ما أجدر ألا تكون الأيام هكذا. أي: تحتال الأيام والليالي من أجلي.

والمعنى: أنها أولى بأن تتظلم مني، وأن تقول هذا المقال، من أن أقوله أنا لها. أي: هي أحق بأن تستغيث مني، لا أنا، لأني أقوى منها وأقدر، فلا أحتاج إلى التظلم منها؛ لاعتصامي بعضد الدولة.

وتقديره: لا أن يكون هكذا مقالي لها، فحذف للاختصار والعلم به، ولا بد من ضمير يعود إليها، فلو لم يحمل على هذا التفسير لم يصح.

فتىً بنيران الحروب صالي

منها شرابي وبها اغتسالي

لا تخطر الفحشاء لي ببال

الضمير في منها وبها للحروب. والبال: القلب. وفتىً: خبر ابتداء محذوف أي: أنا فتى.

يقول: كيف لا تتظلم الأيام والليالي من يدي؟ وأنا فتى أصطلي بنار الحروب وألابسها وأخوض شدائدها. وهي نيرانها. وقوله: منها شرابي أي: أني ألفتها كما ألفت الماء الذي أشرب منه وأغتسل به، وقيل: أراد شرابي من دماء الأعداء التي أريقها في الحروب، وأتضمخ بها، فيكون ذلك اغتسالي، ثم قال: وأنا مع ذلك عفيف النفس، لا تخطر الفحشاء بقلبي فضلا عن فعلها.

لو جذب الزّرّاد من أذيالي

مخيّراً لي صنعتي سربال

ما سمته سرد سوى سروالي

<<  <   >  >>