للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: لم ينج من الطير ما طار غير مقصر في الطيران. يعني: لم ينج منها طائر مجد في الطيران، فكيف المقصر؟! ولم ينج أيضاً ما انغل فيما بين الأشجار الملتفة. ولم ينج أيضاً ما امتنع بالدحال من الصيد الحرام اللحم كالخنزير والسباع، والحلال اللحم كالظباء والأيائل. وقوله: إن النفوس عدد الآجال مثل منه. وروى عدد بضم العين. والمعنى: أن النفوس معدة للموت، والأجل يدركها متى شاء وروى بفتح العين. يعني: أن لكل نفس أجلاً، فآجالها مثل أعدادها.

سقياً لدشت الأرزن الطّوال

بين المروج الفيح والأغيال

روى: الطوال: وهو الطويل، والطوال، وهي جمع طويل، فكأنه جعل لكل موضع منها دشتاً طويلاً لسعته، والدشت: الصحراء، وهي فارسي معرب أبدل منه السين شيناً علامة للتعريب. والأرزن: هو الخشب، وأضاف الدشت إليه لأنه ينبت فيه، والمروج: جمع مرج، وهو كل موضع فيه ماء وعشب لا ينقطع. والفيح: جمع أفيح وفيحاء وهو الواسع. والأغيال: جمع غيل، وهو الشجر الملتف، وأراد به الأجمة هنا.

مجاور الخنزير للرّئبال

داني الخنانيص من الأشبال

مشترف الدّبّ على الغزال

مجتمع الأضداد والأشكال

مجاور وما بعده نصب على الحال من دشت الأرزن. أي سقاه الله تعالى من هذه الأحوال. والرئبال: الأسد. والخنانيص: جمع خنوص، وهو ولد الخنزير. والأشبال: جمع شبل، وهو ولد الأسد. والمشترف والمشرف بمعنى. وذلك لأن الدب جبلي والغزال سهلي. فيكون مشرفاً يعني به: أن هذا الدشت سهلي جبلي قد اجتمع فيه صيد السهل والجبل، وقد حصل فيه الأضداد والأشكال.

كأنّ فنّاخسر ذا الإفضال

خاف عليها عوز الكمال

فجاءها بالفيل والفيّال

عوز الشيء: فقدانه. والهاء في عليها وجاءها لدشت الأرزن ردها إلى معنى الصحراء والأرض والناحية.

يقول: هذه الصحراء قد اجتمع بها جميع الحيوان إلا الفيل، فلما خشى الأمير أن تقصر عن حد الكمال جاءها بالفيل والفيال حتى كملت.

فقيدت الأيّل في الحبال

طوع وهوق الخيل والرّجال

تسير سير النّعم الأرسال

معتمّةً بيبّس الأجذال

طوع: نصب على الحال. والأيل ها هنا جمع الأيل، والمعروف في جمعه الأيائل. والوهوق: جمع وهق: وهو الحبل. والرجال: جمع راجل.

يقول: قاد الأيل، وهو الثور الوحشي في الحبال، وأنها طوع حبال الخيل والرجال. يعني: أنها متمكنة لا يتعذر عليهم صيدها. والنعم الأرسال: القطع من الإبل، واحدها: رسل. والأجذال: جمع جذل، وهو أصل الشجرة إذا قطع أعلاه وأراد به ها هنا قرون الأيل، وجعلها معتمة بالقرون؛ لإحاطتها برءوسها، وتعطفها عليها. واليبس: جمع يابس.

يقول: أقبلت الأيائل تسير كأنها قطع الإبل المتصلة، من كثرتها، وشبه قرونها بأصول الأشجار اليابسة.

ولدن تحت أثقل الأحمال

قد منعتهنّ من التّفالي

لا تشرك الأجسام في الهزال

قوله: ولدن: أي الأيائل ولدت تحت أثقل الأحمال، وهي قرونها، جعلها أثقل الأحمال لطولها وكثرة شعبها.

وقيل: أراد بأثقل الأحمال الجبال؛ لأنه تولد في مغارات الجبال. وقول: قد منعتهن من التفالي: يعني: أن القرون قد منعتها من أن يدنو بعضها من بعض فيفلى بعضها رءوس بعض كسائر الحيوانات. ثم ذكر أن القرون لا تشارك الأجسام في الهزال، ولا تنقص كما تنقص الأجسام.

إذا تلفّتن إلى الأظلال

أرينهنّ أشنع الأمثال

يقول: إذا تلفتت الأيائل، ونظرت أظلالها، رأت منها أشنع منظر وأقبح مثال؛ لطول قرونها وكثرة شعبها.

كأنّما خلقن للإذلال

زيادةً في سبّة الجهّال

كأن هذه القرون خلقت للإذلال، زيادة في سبة الجهال. يعني بذلك قول الناس: لفلان قرنان. فإذا زاد في السب قال: له قرون الأيل.

والعضو ليس نافعاً في حال

لسائر الجسم من الخبال

الخبال: الفساد، وجعل القرن عضواً مجازاً لاتصاله بالأعضاء.

يقول: إن العضو وإن عظم لا يمنع صاحبه من الموت والفساد.

وأوفت الفدر من الأوعال

مرتدياتٍ بقسيّ الضّال

<<  <   >  >>