للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يخاطب عضد الدولة ويقول: النسب زينة لك، كما أن الحلي زينة للابسه، فأنت حالي بمفاخر أبيك، لا بالحلي الذي هو الشنف والخلخان. وقوله: حلياً تحلى منك بالجمال يعني: أن كرم نسبك حلى عليك، وأنت أيضاً حلى بالنسب حليته الجمال فنسبك يزينك وأنت تزينه بجمالك.

وربّ قبحٍ وحلىً ثقال

أحسن منها الحسن في المعطال

المعطال: العاطل، التي لا حلي عليها. يعني: حسن الحلي بحسن لابسه، فإن الحسن على المرأة العاطل أحسن من الحلي الثقيل على المرأة القبيحة. وهذا كما قال في موضع آخر:

وفي عنق الحسناء يستحسن العقد

فخر الفتى بالنّفس والأفعال

من قبله بالعمّ والأخوال

من قبله: أي من قبل فخره بعمه وخاله.

يقول: الفتى من يفخر بأفعاله ونفسه قبل افتخاره بأعمامه وأخواله. والباء في قوله بالعم متعلق بمحذوف. أي: لا يفخر أحد بعمه وخاله، ويترك نفسه وأفعاله. وقيل: إن الباء وما بعدها في موضع نصب على الحال من الهاء في قبله وتعلقها أيضاً بمحذوف. أي: من قبله كائناً بالعم والخال.

وقال أيضاً يمدحه ويودعه في شعبان سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. وهي آخر ما سار في شعره، وفي أثناء هذه القصيدة كلام جرى على لسانه كأنه ينعى نفسه، وإن لم يقصد ذلك.

فدىً لك من يقصّر عن مداكا ... فلا ملكٌ إذاً إلاّ فداكا

الفداء: بكسر الفاء يمد ويقصر، وإذا فتح يقصر لا غير والمدى: الغاية.

يقول: لعضد الدولة جعل الله فداءك من يقصر عن مداك في الفضل والجود، فإذا أجيبت لي هذه الدعوة، فداك كل ملك، فلم يبق في الدنيا ملك، إلا وهو فداك؛ لأنهم كلهم مقصرون عن معاليك، فكأني قلت: فداك سائر الملوك والخلائق.

ولو قلنا فدىً لك من يساوي ... دعونا بالبقاء لمن قلاكا

قلاك: أي أبغضك.

يقول: لو قلنا جعل الله فداك من يساويك، لكنا قد دعونا لمن يبغضك بالبقاء لقصوره عن محلك وانحطاطه عن مساواتك. يعني: إذا قلت فداك من يساويك. كأني قلت لا فداك من هو دونك. وهذا اقتضاء.

وآمنّا فداءك كلّ نفسٍ ... وإن كانت لمملكةٍ ملاكا

ملاك الشيء: قوامه الذي يقوم به. أي: لو قلنا فداك من يساويك، لكنا قد جعلنا كل نفس آمنة من أن تكون فداك، وإن كانت قواماً لممالك؛ لأن كل ملك مقصر عن علاك، فهو خارج عن هذه الدعوة لو دعوتها، فلهذا تركتها.

ومن يظّنّ نثر الحبّ جوداً ... وينصب تحت ما نثر الشّباكا

يظن: يفتعل من الظن، وأصله يظتن فقلبت التاء طاء لموافقة الطاء في الإطباق. ثم أبدلت الطاء ظاء لتدغم في الظاء بعدها، ثم أدغم فيها الظاء فصار اللفظ بالظاء يظن وموضع من نصب عطفاً على كل ويجوز أن يكون موضعه جراً عطفاً على كل نفس ويجوز أن يكون رفعاً على الاستئناف.

يقول: وكنا أيضاً آمنا. فداك من ينثر الحب وينصب تحته الشباك. وهذا مثل لمن يبذل الأموال وغرضه أن يجر بها نفعاً إلى نفسه، وهو يظن أن ذلك جود، وهو ليس بجواد في الحقيقة، لأنه كالتاجر يطلب ببذل الأموال الأرباح، وأما الجواد فمن يحسن ولا يطلب جزاء على ما فعله، ولا يجر نفعاً إلى نفسه. ولابن الرومي مثل ذلك:

رأيتك تعطي المال إعطاء واهبٍ ... إذا المرء أعطى المال إعطاء مشتري

ومن بلغ التّراب به كراه ... وقد بلغت به الحال السّكاكا

الكرى: النوم. والسكاك: الهواء.

يقول: آمنا. فداك كل من بلغه نومه وغفلته وخمول ذكره وجهله بالتراب، وإن بلغته حاله وغناؤه للسماء.

والكرى أيضاً: دقة الساقين، وهذا إشارة إلى ضعفه وخموله.

فلو كانت قلوبهم صديقاً ... لقد كانت خلائقهم عداكا

الصديق: يقع على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، وكذلك العدو، وقد أتى بلفظ الجمع في قوله: عداكا لأن القاقية أدته إلى ذلك، والأحسن أن يقول: عدوا ليطابق قوله صديقاً.

والمعنى: أن جميع من ذكرته لو كانوا يحبونك بقلوبهم فإن خلائقهم أعداؤك لكونهم أضداد لك، والضد يبغض ضده، فأخلاقهم تبغضك لقصور أصحابها عن شأوك.

لأنّك مبغضٌ حسباً نحيفاً ... إذا أبصرت دنياه ضناكا

الضناك: السمينة التي ضاق جلدها بشحمها. لما استعار لقلة الحسب النحافة، استعار لكثرة المال السمن والضخامة.

يقول: إن خلائقهم أعداؤك؛ لأنك تبغض من كثر ماله وقل حسبه ومجده.

<<  <   >  >>