للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: لست من هؤلاء الناس، وإن كنت أعيش فيما بينهم، بل جوهري يخالف جوهرهم وطباعي تنافي طباعهم، كما أن الذهب يتولد من التراب، ومع ذلك جوهره يخالف جوهر التراب. شبه نفسه بالذهب وسائر الناس بالتراب. ومثله قوله: فإن المسك بعض دم الغزال ومثله: فإن في الخمر معنىً ليس في العنب ومثله: فإنك ماء الورد إن ذهب الورد

أرانب غير أنهم ملوكٌ ... مفتحةٌ عيونهم نيام

يقول: هؤلاء أرانب في الحقيقة، غير أنهم ملوك! فجعلهم أرانب، واستعار لهم اسم الملوك وهو عكس ما يقال: هم ملوكٌ في صورة الأرانب، وقد فتحوا عيونهم وهم مع ذلك كأنهم نيام لجهلهم. ومثل هذا قول الشاعر:

وخبرني البواب أنك نائم ... وأنك إذا استيقظت أيضاً فقائم

وإنما شبههم بالأرانب؛ لأنها إذا نامت لا تطبق أجفانها فشبههم بها لهذه العلة، وما لها من الضعف والخسة ودناءة الأصل والقدر، وقوله: غير أنهم ملوك أي رفع زمنهم قدرهم ودانت لهم الدنيا، والمراد به ذم الزمان وأهله.

بأجسامٍ يحر القتل فيها ... وما أقرانها إلا الطعام

يحر: من الحرارة، أي يسرع ويشتد؛ لخسة شجاعتهم.

يقول: إن هذا الدهر، أهله لشرههم بالطعام لا يموت أكثرهم إلا عن التخمة، فكأن الذين يقاتلونهم بالفراغ من الطعام لأنهم لا يموتون أكثرهم إلا بأكلها، فهي أقرانهم دون الرجال. وهذا مثل.

وخيلٍ ما يخر لها طعينٌ ... كأن قنا فوارسها ثمام

الثمام: نبتٌ ضعيف ورقه مثل خوص النخل.

يقول: إنهم لضعفهم إذا طعنوا فارساً، لا يسقط عن ظهر فرسه، فكأن رماحهم من شجر الثمام. شبهها به لضعفه وكون ورقة على شكل أسنة الرماح، فهو إشارة إلى ضعفهم وقلة شجاعتهم. وهذا مثل.

خليلك أنت لا من قلت خلى ... وإن كثر التجمل والكلام

الخليل والخل: هو الصديق. وسمي بذلك لمداخلة صديقه في جميع أموره وأحواله، ولأن حب كل واحد منهما يدخل في خلل صاحب قلبه، والتجمل: إظهار الجميل من القول وغيره.

يقول: ليس لك صديق في الحقيقة إلا نفسك، فأنت صديق نفسك، لا من تسميه خليلاً، وإن كثرت مجاملته، وأظهر لك الود بالكلام. ومثله للآخر.

كل النداء إذا ناديت يخذلني ... إلا ندائي إذا ناديت يا مالي

وهذا مثل.

ولو حيز الحفاظ بغير عقلٍ ... تجنب عنق صيقله الحسام

حيز: جمع. والحفاظ: مراعاة الحقوق والذمم. والحسام: رفع لأنه فاعل تجنب.

يقول: هؤلاء لا عقول لهم؛ فلذلك ليس لهم حفاظ بالعقل، فلو أمكن تحصيل الحفاظ من دون العقل، لتجنب السيف عنق الصيقل، الذي أرهف حده، وأظهر رونقه، وأبرز حسنه فكأنه إذا ضرب به لا يؤثر؛ لمحامات حرمته، ومراعات حقه.

وشبه الشيء منجذبٌ إليه ... وأشبهنا بدنيانا الطغام

الطغام والطغامة: الذي ليس له معرفة.

المعنى: أن الدنيا تميل إلى الأراذل؛ لخساسة قدرها كما يميل الشبه إلى شبهه، فكما أنها رذلة خسيسة، فهي أيضاً تنجذب إلى الخساس والأراذل؛ للتجانس بينهما. وهذا أيضاً مثل.

ولو لم يعل إلا ذو محلٍّ ... تعالى الجيش وانحط القتام

القتام: الغبار.

يقول: لو لم يعل ولم يرتفع، إلا من له محل وقدر، لكان يجب ألا يعلو الغبار مع أنه من جنس التراب على الجيش؛ لفضلهم ومالهم من التمييز والعقل ومثله:

قالت: علا الناس إلا أنت! قلت لها: ... كذاك يسفل عند الوزن من رجحا

وهذا مثل.

ولو لم يرع إلا مستحقٌّ ... لرتبته أسامهم المسام

الرعى هنا: السياسة. والأسامة: رعى المال، يقال أسام ماله فهو مسيم والمال مسام.

يقول: لو لم يقم برعاية الناس إلا من هو مستحق له، لوجب أن تكون الرعية هي الراعي، والأمير هو المرعي؛ لأن في الرعية من هو أشرف من هؤلاء الرعاة وهذا مثل.

ومن خبر الغواني فالغواني ... ضياءٌ في بواطنه ظلام

خبر واختبر: بمعنى جرب. والهاء في بواطنه للضياء.

يقول: من جرب النساء وعرفهن، وعرف ظاهرهن فإنه وإن كان ضياءً فباطنه ظلام وضلال.

إذا كان الشباب السكر، والشي ... ب هماً، فالحياة هي الحمام

<<  <   >  >>