للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: إذا كان الإنسان شاباً فهو كالسكران، لكونه جاهلاً غافلاً. وفي حال المشيب في الحزن والهم والأسقام! فالحياة هي الموت في الحقيقة، إذ ليس له فيها راحة، فلا فرق بين حياته وموته، كأنه تنبيه وحث على ترك الغفلة، والنهوض لمعالي الأمور، في حال الشباب وهذا مثل أيضاً.

وما كلٌّ بمعذورٍ ببخلٍ ... وما كلٌّ على بخلٍ يلام

يعني: أن الكريم لا يعذر على بخله؛ لكرمه ولاتصال الآمال به. وإن بخل المعسر لا يلام، لأن فضله ومنزلته إنما هو بالمال. وهذا أيضاً مثل ضربه.

ولم أر مثل جيراني ومثلي ... لمثلي عند مثلهم مقام

المقام: الإقامة.

يقول: لم أر من هو مثلي في الفضل، يقيم بين قوم لا يشاكلونه، لأنهم سفلة أخساء فمقامي فيما بينهم عجيب.

بأرضٍ ما اشتهيت رأيت فيها ... فليس يفوتها إلا الكرام

يقول: مقامي بأرضٍ مخصبة، فيها كل ما اشتهيت من أنواع النعم، وليس يفوت إلا الكرام تلك الأرض فإني لا أراهم فيها وإن كنت أشتهي ذلك.

فهلا كان نقص الأهل فيها ... وكان لأهلها منها التمام!

يقول: هلا كان هذا النقص الذي في أهل هذه الأرض في نفس الأرض، وكان التمام الذي فيها لأهلها، فيكون منها كرماً وفضلا.

بها الجبلان من فخرٍ وصخرٍ ... أنافا: ذا المغيث، وذا اللكام

يقول: هذه الأرض، فيها جبلان عاليان: أحدهما من فخر، وهو المغيث.

والثاني من صخر، وهو اللكام جعل الممدوح كالجبل قدراً.

وليست من مواطنه ولكن ... يمر بها كما مر الغمام

يقول: هذه الأرض ليست من مواطن المغيث؛ لخستها ودناءتها، مع شرفه وكرمه، ولكنه يمر بها ليحميها وينعم على أهلها، كما يمر الغمام بالأرض الجدبة فيحييها بالنبات. وقد استدرك ها هنا ما قال في قوله: فليس يفوتها إلا الكرام.

ثم قال: وبها الجبلان. فقال: وإن كان هذا الكريم فيها فليس هو من أهلها لأن أهلها لئام، وإنما يجتاز فيها كاجتياز السحاب.

سقى الله ابن منجبةٍ سقاني ... بدرٍّ ما لراضعه فطام

أنجبت المرأة: إذا ولدت نجيباً، فهي منجبة وابن منجبة هو الممدوح. والنجيب: الكريم السليم من العيوب.

يقول: سقى الله ابن منجبةٍ وهو الذي سقاني بدرٍّ وخير كثير، ما لراضعه فطام: أي لأن نعمته دائمة لا تنقطع، بل تتصل وتدوم.

ومن إحدى فوائده العطايا ... ومن إحدى عطاياه الدوام

روى: من وهي للممدوح وهو بدل من قوله: ابن منجبة. فتكون في موضع نصب. وروى: من فتكون للتبعيض.

يقول: له فائدة من فوائد العلا والجاه، فإذا أعطي عطية جعلها دائمة، والدوام بعض عطاياه المشكورة.

فقد خفي الزمان به علينا ... كسلك الدر يخفيه النظام

روى: به فيكون للممدوح. وروى: بها فيكون راجعاً إلى العطايا. وله معنيان: أحدهما: أن الزمان والشدائد صارت مغمورة مستورة بهذا الرجل وبعطاياه، لاشتمال هذا الرجل وعطاياه على الزمان وشدائده، فلا يظهر للزمان تأثير بالإضافة إليه وإلى عطاياه، كما أن الدر إذا نظم في السلك فإنه يخفي السلك ويستره لاشتماله عليه ولنفاسته.

والمعنى الثاني: أن قبح الزمان وخسة أهله صارت خافية بحسن كرمه وعطاياه.

يعني: أن كرمه صار جابراً لمعايب الدهر ومعايره. وهذا مثل.

تلذ له المروءة وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذ له الغرام

المروءة: مصدر مرؤ، كالإنسانية. والغرام: قيل هو العذاب وأصله من المشقة.

يقول: إن المروءة لذيذة له مع أنها تؤذي صاحبها؛ لما فيها من تفريق المال وتحمل المشاق، فهو يلتذ بها لعشقه لها، كما أن العاشق يتلذذ بالغرام، وما يجد من ألم الشوق وحرق الهوى. وهذا أيضاً مثل.

تعلقها هوى قيسٍ لليلى ... وواصلها فليس به سقام

يقول: عشق هذا الممدوح المروءة، كما عشق قيس بن الملوح، الملقب بالمجنون لليلى العامرية، ولكنه واصل المروءة المعشوقة، فليس لها سقام العشق. مثل ما كان لقيس في عشق ليلى؛ لأن السقام إنما يكون من الهجر وعدم الوصال، فهو لما واصلها لم يجد السقام. وهذا أيضاً مثل.

يروع ركانةً ويذوب ظرفا ... فما يدري: أشيخٌ أم غلام!

<<  <   >  >>