الحمد لله ذي الفضل والإنعام والمنّة والإحسان حمدًا يليق بجلاله وعظمته، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة سيد الأنام وخير من صلّى وصام. وبعد:
فموضوع السنة النبوية وكونها المصدر الأساسي الثاني للتشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل؛ له فهم عند علماء السلف متوسط بين الغلو والمجافاة.
الغلو: الذي يجعل طائفة تثبت الحلال والحرام بسنن لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرى تمنع مجاوزة ظاهر الحديث وإن خالف إجماع المسلمين وعملهم.
والمجافاة: التي تجعل طائفة يطلق عليهم القرآنيون يقولون: إن القرآن الكريم ذكر كل شيء ولا حاجة معه إلى السنة.
وأما جمهور علماء السلف فسودت أحبار أقلامهم ألوف الأوراق يوقرون السنة ويعظمونها ويدافعون عنها ويحتجون بها. فكان لهم معها التوثيق والتحقيق وجعلوا لها أقسامًا؛ متواترة وآحادا، صحيحة أو ضعيفة، وميزوا بين السنن التي دلالاتها قطعية والتي دلالاتها ظنية، كما ذكروا القرائن التي تصرف العمل عن ظاهر السنن. وذكروا كذلك الأسباب التي تمنع من الاحتجاج ببعض السنن، كما جمعوا بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، فأعملوها ولم يهملوها.
ولقد أجمع علماء السلف على قضية تبيين السنة للأحكام المجملة التي وردت في القرآن الكريم، وأن السنن الصحيحة تُخصص الآيات العامة، وتقيد بعض الآيات المطلقة.