فجوابه أنَّ أهلَ السنَّة يعتبرون السالمية والجهمية والمعتزلة والرافضة من فرق الضلال، ولا يدخل أحد من هؤلاء في أهل السنة، كما أنَّ المالكيَّ نفسه ليس من أهل السنَّة، وإنَّما هو من أعداء أهل السنَّة، وقد مرَّ قريباً ما جاء عن حماد بن زيد وابن عبد البر والذهبي من أنَّ الجهمية المعطلة نافون للمعبود؛ لأنَّه لا يُتصوَّر وجود ذات مجرَّدة من جميع الصفات، وفي (ص: ٩١) من قراءته في كتب العقائد أظهر أسفَه على سنوات أضاعها في بغض ولعن الجهمية والقدرية، وأنَّه لم ينتبه لبراءتهما من أكثر ما نُسب إليهما وظلمه لهما إلاَّ بعد بحثه في الموضوع في فترة متأخرة، فنعوذ بالله من الضلال بعد الهدى.
ومن ذلك قول المالكيِّ (ص: ١٢٩ ـ ١٣٠) : "وألَّف الهروي الحنبلي كتاباً في الصفات، حشره بأحاديث باطلة من هذا الجنس، وروى عبد الله بن أحمد رواية مقطوعة فيها: (مكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلاَّ مات من نور ربِّ العالمين") .
وأجيب عن ذلك: بأنَّ ما ذكره عن كتاب الهروي فهو من الكلام الذي يُطلقه المالكي جزافاً، وقد يكون فيما يعنيه أحاديث صحيحة لا تُناسبُ هواه، وليس فيها تجسيم ولا تشبيه، كما سبق أن مرَّ قريباً بيان قدحه في أحاديث صحيحة، بعضها في الصحيحين، وما كان في كتاب الهروي من أحاديث ضعيفة وهي مسندة، فأهل العلم يعرفون الحكم على الحديث بالوقوف على إسناده.
وأمَّا الأثر المقطوع الذي ذكره عن عبد الله بن الإمام أحمد، فإسناده كما في طبقات الحنابلة (١/١٨٥ ـ ١٨٦) : "قال عبد الله بن أحمد: حدَّثني محمد ابن بكار، حدَّثنا أبو معشر، عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية"، وهو مع كونه مقطوعاً من كلام بعض الرواة، فإنَّ في إسناده أبا معشر وهو نجيح