فهو حقٌّ، لكن لا يُعبَّر عن ذلك بالتجسيم؛ لأنَّ لفظَ التجسيم محتملٌ للحقِّ والباطل، وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتاب"الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"، كما في مختصره لابن الموصلي اثنين وأربعين وجهاً في إبطال قول مَن فسَّر الاستواءَ على العرش بالاستيلاء، وذكر أنَّ كثيراً من المالكية على منهج السلف في العقيدة، فقال في (٢/١٣٢ ـ ١٣٦) : "الوجه الثاني عشر: أنَّ الإجماعَ منعقدٌ على أنَّ الله سبحانه استوى على عرشه حقيقة لا مجازاً، قال الإمام أبو عمر الطلمنكي - أحد أئمَّة المالكية وهو شيخ أبي عمر بن عبد البر - في كتابه الكبير الذي سَمَّاه الوصول إلى معرفة الأصول، فذكر فيه من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم وأقوال مالك وأئمَّة أصحابه، ما إذا وقف عليه الواقفُ علمَ حقيقةَ مذهب السَّلف، وقال في هذا الكتاب: أجمع أهلُ السنَّة على أنَّ الله تعالى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز.
الوجه الثالث عشر: قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في شرح حديث النُزول: وفيه دليلٌ على أنَّ الله تعالى في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة وقرَّر ذلك، إلى أن قال: وأهل السُّنَّة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في القرآن والسُّنَّة، والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلاَّ أنَّهم لا يُكيِّفون شيئاً من ذلك، ولا يَحدُّون فيه صفة مخصوصة، وأمَّا أهل البدع الجهمية والمعتزلة والخوارج، فكلُّهم يُنكرُها ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أنَّ مَن أقرَّ بها مشبِّهٌ، وهم عند مَن أقرَّ بها نافون للمعبود.
وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره المشهور في قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : هذه المسألة للفقهاء فيها كلام، ثم ذكر أقوال المتكلمين،