الوجه الخامس عشر: أنَّ الأشعريَّ حكى إجماعَ أهل السنَّة على بُطلان تفسير الاستواء بالاستيلاء، ونحن نذكر لفظَه بعينه الذي حكاه عنه أبو القاسم بن عساكر في كتاب تبيين كذب المفتري، وحكاه قبله أبو بكر بن فَوْرك وهو موجودٌ في كتبه، قال في كتاب الإبانة وهي آخرُ كتبه قال:
(باب ذكر الاستواء) إن قال قائلٌ: ما تقولون في الاستواء، قيل: نقول له: إنَّ اللهَ تعالى مستوٍ على عرشه، كما قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وساق الأدلَّةَ على ذلك، ثمَّ قال: وقال قائلون من المعتزلة والجهميّة والحرورية: إنَّ معنى قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أنَّه استولى ومَلَكَ وقَهَر، وجحدوا أن يكون اللهُ على عرشه كما قال أهلُ الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القُدرة، ولو كان هذا كما قالوا كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة السُّفلى؛ لأنَّ اللهَ تعالى قادرٌ على كلِّ شيء، والأرض والسموات وكلّ شيء في العالَم، فلو كان اللهُ مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء والقدرة لكان مستوياً على الأرض والحشوش والأنْتَان والأقْذار؛ لأنَّه قادرٌ على الأشياء كلِّها ولم نجد أحداً من المسلمين يقول إنَّ اللهَ مستوٍ على الحشوش والأخْلِيَة، فلا يجوزُ أن يكون معنى الاستواء على العرش على معنى هو عام في الأشياء كلِّها، ووَجَبَ أن يكون معنى الاستواء يَختصُّ بالعرش دون سائر الأشياء، وهكذا قال في كتابه الموجَز وغيره من كتبه".