"وكان المخالفون للحنابلة أكثر تعظيماً للقرآن واستدلالاً به منهم، فلمَّا رأى الحنابلة ذلك وأنَّ القرآن الكريم تستدلُّ به الطوائف (المبتدعة!!) لجأوا إلى التزهيد من التحاكم إلى القرآن الكريم مع تضخيم الآثار والأقوال المنسوبة لبعض التابعين أو العلماء، بل وبدَّعوا من يعود إلى القرآن الكريم وقدَّموا عليه أقوال الرجال".
وهذا بهتان بيِّنٌ وإفكٌ مبين، وقد قال الله عزَّ وجلَّ:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا} ً، وهو أيضاً قلبٌ للحقائق، ووضعٌ لِمَن رفعه الله ورفعٌ لِمَن وضعه، وقد قال الله عزَّ وجلَّ:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} ، وما أشبه صنيعه في قلب الحقائق بقول الشاعر كما في معجم الأدباء لياقوت الحموي (١٧/١٩٨) :
قد قُدِّم العَجْبُ على الرُّوَيس ... وشارف الوهد أبا قُبيسِ
وادَّّعت الروم أباً في قيس ... واختلط الناس اختلاط الحيس
إذ قرا القاضي حليف الكيس ... معاني الشعر على العبيسي
والمعنى في البيت الأول تقديم عَجْب الذنب على الرأس، وأنَّ المكان المنخفض يُطاوِلُ المكان المرتفع، وأبو قُبيس: جبل عال بمكة.
٦ ـ قوله:"بل وبدَّعوا من يعود إلى القرآن الكريم وقدَّموا عليه أقوال الرجال:
يقول البربهاري:(إذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن فلا شكَّ أنَّه رجلٌ قد احتوى على الزندقة، فقُم من عنده ودَعْه) ، وقال: (وأنَّ القرآن أحوجُ إلى السنَّة من السنَّة إلى القرآن") .