ولم يكن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته آنئذ بداية للحديث عن السيرة النبوية، بل كان ذلك يتم في سياق مواجهة الدين الجديد ومحاولة تشويه صورته وحقيقته، فجاءت صورته صلى الله عليه وسلم في كتاباتهم صورة النبي المزيف والكذاب الذي أراد القضاء على النصرانية، أما اللغات الشرقية ومنها العربية فلم تكن معروفة لدى الفرنسيين أثناء الحروب الصليبية وقبلها، ولم تعرف إلا مع ظهور حركات التنصير ومصادقة مجمع فيينا الكنسي عام ١٣١٢م على ضرورة تعليم اللغة العربية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا وسلمنكا، وفي عام ١٥٣٩م تم إنشاء أول كرسي للغة العربية في كلية (دي فرانس) Collège de France بباريس وكان أول من شغله هو المستشرق الفرنسي الشهير Guillaume Postel (ت ١٥٨١م) الذي يعد أول المستشرقين الفرنسيين الذين أسهموا في إثراء دراسة اللغة العربية، ونقل بعض التراث العربي إلى اللغة الفرنسية.
وعلى الرغم من ذلك فقد تطور الأمر مع مرور الزمن حيث شهدت نهاية القرن السابع عشر اتجاها آخر مختلفا عما كان عليه خلال القرون الوسطى، فقد بدأت تبرز نظرات استشراقية موضوعية إلى حد ما، فيها القليل من التعاطف مع الإسلام وقد أسهم في تعزيز ذلك ظهور النزعة العقلية الجديدة التي بدأت تنتشر في أوروبا متحدية الكنيسة النصرانية التي تعارضها.
(١) سوذرن: نظرة الغرب إلى الإسلام في القرون الوسطى، ترجمة د. علي فهمي خشيم ود. صلاح الدين حسني مكتبة دار الفكر بليبيا ١٩٧٥م ص ١٧.