[اهتمام الفرنسيين بالسيرة النبوية انطلاقا من خلفياتهم الدينية والإيديولوجية]
إذا كان المستشرقون الفرنسيون الذين تخلوا عن دياناتهم قد عدوا في كثير من الأحيان أقرب الفئات الاستشراقية إنصافا واقترابا من الحقيقة والواقع، فما ذلك إلا لكونهم لم يندفعوا بدافع من الحقد الديني –الكنسي منه على وجه الخصوص-إلى الطعن في الإسلام ونبيه وتشويه وتحريف الحقائق الناصعة، وإذا كان الكثير من الباحثين المسلمين يشيدون بكتاب "حضارة العرب"(١) للمستشرق الفرنسي جوستان لوبون G. Lebon نظرا لما تضمنه من إشادة بالإسلام ورسالته فلأن السبب في ذلك هو كون الرجل لم يؤمن بالنصرانية أو غيرها من الأديان، وبالتالي فقد سعى إلى فهم الإسلام ورسالة نبيه في حدود ما أتاحته له ظروف البحث والدراسة.
إن الخلفية الدينية للمستشرق لها دورها في توجيه الكتابة والبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمسيحي المقتنع بدينه يصعب عليه أن يتحدث عن الجوانب التي لها صلة بالغيب والوحي المحمدي في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فثمة جدار فاصل يقف بين المستشرق وبين فهم معطيات السيرة النبوية ونسيجها العام.
ويقول المستشرق الشهير هاملتون جب: "إن العقل الغربي الحديث يعسر عليه بوجه خاص أن يقوم بمحاولة استكناه طبيعة المواقف الدينية لدى أناس تختلف نظرتهم إلى الكون اختلافا بعيدا عن نظرة الغربي، ولذا أصبحت
(١) Gustave le Bon ;La civilisation des Arabes Paris.