للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان والكفر، ومن هنا أُطلق على هذا الأصل عند المعتزلة اسم المنزلة بين المنزلتين، أو الأسماء والأحكام ١.

فالمعتزلة يرون أن مرتكب الكبيرة، لا مؤمن ولا كافر، بل له اسم بين الاسمين وحكم بين الحكمين، فلا يكون اسمه اسم الكافر، ولا اسمه اسم المؤمن، وإنما يُسمى فاسقاً وكذلك فلا يكون حكمه حكم الكافر، ولا حكم المؤمن، بل يُفرَد له حكم ثالث وهذا الحكم هو ما يُسمى بالمنزلة بين المنزلتين. فإن صاحب الكبيرة عندهم له منزلة تتجاذبها هاتان المنزلتان، فليست منزلته منزلة الكافر، ولا منزلة المؤمن، بل له منزلة بينهما ٢.

والمراد من هذا بيان الحكم الدنيوي لمرتكب الكبيرة، ففيه أن مرتكبها يُسلَب منه اسم الإيمان بالكلية، لأنه بارتكابها يزول ما معه من إيمان، فلم يعدْ مؤمناً غير أنهم في هذا الحكم الدنيوي لم يبلغوا به درجة الكافر فلم يُجَوِّزوا تسميته كافراً، كما لم يُجَوِّزوا تسميته مؤمناً، بل جعلوا له منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان وهي الفسق.

وقد برزت هذه المقالة أول ما برزت على يد واصل بن عطاء الغزال أحد زعماء المعتزلة، بل زعيمهم الأول والذي كان تلميذاً للحسن البصري، المشتهر بقوله بأن مرتكب الكبيرة منافق. وقد بينها الشهرستاني في ((الملل والنحل)) بقوله: " ووجه تقريره لهذه المسألة أنه ـ أي واصل بن عطاء ـ قال: إن الإيمان عبارة عن خصال خير، إذا اجتمعت سُمي المرء مؤمناً، وهو اسم مدح، والفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم المدح، فلا يسمى مؤمناً، وليس هو بكافر مطلقاً أيضاً، لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها ٣.


١ الدكتور عبد الكريم عثمان، نظرية التكليف، ص٤٩٤، ط مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة١٣٩١هـ ـ ١٩٧١م.
٢ انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار، ص٦٩٧.
٣ انظر: الملل والنحل للشهرستاني، تحقيق محمد سيد الكيلاني، ج١ ص٤٨، ط مطبعة الحلبي، مصر، سنة ١٣٨٧هـ.

<<  <   >  >>