للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثالث

أبو حنيفة والإرجاء

عرفنا فيما تقدم المرجئة وما ذهبوا إليه في الإيمان، وفي هذا الفصل نناقش مسألة خطيرة، برزت على مسرح البحث والمناقشة بين العلماء، بين مؤيد ومعارض. وهذه المسألة هي ما ذكر من اتهام أبي حنيفة بالإرجاء، وأن مذهبه في الإيمان هو عين مذهبهم. وأبو حنيفة ـ رحمه الله ـ أحد الأئمة الأربعة وصاحب أتباع كثيرين، يتشبثون بمذهبه، وينتصرون له. وكما أنه قدوة لهم، فهو قدوة لنا أيضاً، وله مكانته في قلوب المسلمين جميعاً، لأنه إمام عظيم، خدم الدين بإخلاص، وبذل جهداً جباراً ـ كغيره من الأئمة الأعلام ـ في سبيل إبراز تشريعاته العملية والعقدية، والذَّب عن حياضها، وإيصالها إلينا نقية صافية من شوائب البدع والخرافات التي حاول مروجوها إدخالها في الدين، وإضافة ما ليس منه إليه.

لذلك كان لزاماً علينا أن ندفع عنه كل تهمة توجه إليه، ما دامت ليس لها أساس من الصحة، آخذين بعين الاعتبار بشريته، وأنه كغيره من العلماء، عرضة للخطأ، والعصمة إنما هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يُوحى. وأبو حنيفة رضي الله عنه، يسرّه أن يُصحح خطؤه إذا أخطأ، وفق ما هو موجود في كتاب الله وسنة رسوله اللذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها "، وقال عليه الصلام:" تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله، وسنتي "، إذ إنه ـ رحمه الله ـ إمام ملتزم بهما ويدعو إلى ذلك.

<<  <   >  >>