للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه، والإيمان الذي هو التصديق القلبي موجود في الفاسق الذي عصى الله تعالى بعمل قبيح صدر عن الجوارح غير مضاد للإيمان.

وهذان الدليلان ـ كما هو واضح ـ مبنيان على مذهبهم القائل بأن الإيمان هو التصديق القلبي بالله وملائكته وكتبه ورسله، الذي تقدم بيانه، وأن أعمال الجوارح إنما هي ثمرات ذلك التصديق القلبي، وليست ركناً فيه، ولا جزءاً في مفهومه. وهم موافقون للسف في إطلاقهم هذه الصفة على مرتكب الذنب الكبير وقد تقدم استدلالهم على هذه التسمية بمثل قوله تعالى في شأن حاطب بن أبي بلتعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ...} فقد خاطبه باسم الإيمان مع ما ارتكبه من عظيم الذنب بشأن الله ورسوله في قصته المشهورة ومثل قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فسماهم مؤمنين مع اقتتالهم، وغير ذلك من الآيات التي تطلق على فاعل الذنب الكبير اسم المؤمن، وذلك أيضاً دليل للأشاعرة لأنهم يرون نفس الرأي.

أما الحكم الأخروي لمرتكب الكبيرة عند الأشاعرة، فإنهم أيضاً يوافقون السلف فيه. حيث فوَّضوا أمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه بعدله وإن شاء غفر له بفضله وذلك إذا مات المذنب من غير توبة، وعن سابق إصرار وفي ذلك يقول البغدادي من الأشاعرة: " ... فأما أصحاب الذنوب من المسلمين إذا ماتوا قبل التوبة فمنهم من يغفر الله عز وجل له قبل تعذيب أهل العذاب، ومنهم من يعذبه في النار مدة ثم يغفر له ويرده إلى الجنة برحمته " ١.

ويقول الشيخ عبد السلام بن إبراهيم اللقاني في شرح ((جوهرة التوحيد)) : " ... فذهب أهل الحق إلى أنه لا يقطع له بعفو ولا عقاب، بل هو في مشيئة الله سبحانه وتعالى، وعلى تقدير وقوع العقاب عدلاً


١ البغدادي، أبو منصور عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين، ص٢٤٢، ط١ مطبعة الدولة، استانبول، سنة١٣٤٦هـ ـ ١٩٢٨م.

<<  <   >  >>