للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموافاة الذي هو آية النجاة ووسيلة نيل الدرجات بمشيئة الله جرياً على مقتضى قوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} " ١.

فإذاً نتبين مما تقدم أن المسألة ذات شقين، أحدهما: عدم جواز الاستثناء في الإيمان الناجز، لأن ذلك يُعتبر شكاً في الإيمان والشاك في إيمانه لا يُعتبر مؤمناً، فإذا سئل أمؤمن هو؟ جزم بالإيجاب لا بالتعليق بالمشيئة.

وثانيهما: جواز الاستثناء باعتبار واحد فقط، وهو أن الإيمان المعتبر في النجاة من النار ودخول الجنة هو ما يختم به للإنسان فيستثنى من أجل أنه لا يدري ما يوافي الله به من الإيمان لأن خاتمة مجهولة مع رجائه أن تكون حسنة. وهذا هو المذهب المشهور عن الأشاعرة.

كما ذكر البغدادي أنهم مختلفون في ذلك وبيَّن اختلافهم بقوله: " والقائلون بأن الإيمان هو التصديق من أصحاب الحديث مختلفون في الاستثناء فيه فمنهم من يقول به، وهو اختيار شيخنا أبي سهل محمد بن سليمان الصعلوكي، وأبي بكر محمد بن الحسين بن فورك، ومنهم من ينكره وهذا اختيار جماعة من شيوخ عصرنا، منهم أبو عبد الله بن مجاهد، والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرائيني" ٢.

ووجهة المجيزين ما تقدم ذكره، أما المانعون منه فلا دليل لهم إلا أنهم يعتبرون ذلك شكاً، والشك في الإيمان غير جائز. وينضم إلى أدلة المجيزين لهذه المسألة ما تقدم ذكره عند بيان مذهب السلف من مثل قوله عليه السلام عند زيارة القبور: " إنا إن شاء الله بكم لاحقون " وقوله تعالى:


١ التفتازاني سعد الدين، شرح المقاصد، ج٢ ص٢٦٣-٢٦٤، ط مطبعة الحاج محرم أفندي، سنة ١٣٠٥هـ.
٢ البغدادي، أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي، أصول الدين، ص٢٥٣، ط١ مطبعة الدولة باستانبول، سنة ١٣٤٦هـ ـ ١٩٢٨م.

<<  <   >  >>