وقد عرفنا من مذهب السلف أن الإيمان بشقيه التصديق والعمل كلاهما يزيد وينقص، يزيد إلى درجة الكمال، وينقص حتى أضعف درجاته. وقد تقدم قول مالك بن دينار:" إن الإيمان يبدو في القلب ضعيفاً ضئيلاً كالبقلة، فإن صاحبه تعاهده فساقاه بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة وأماط عنه الدغل، وما يضعفه ويوهنه، أوشك أن ينمو ويزداد ويصير له أصل، وفرع، وثمرة وظل ما لا يتناهى حتى يصير أمثال الجبال. وإن صاحبه أهمله ولم يتعاهده، جاءه عنز فنتفتها أو صبي فذهب بها أو كثر عليها الدغل فأضعفها، أو أهلكها، أو أيبسها كذلك الإيمان " ١.
وبهذا كله يبطل قول المتكلمين أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن أهله فيه سواء. فما دام النص يصرح بزيادة الإيمان، تصريحاً لا يقبل التأويل، أو العدول عن الظاهر وما دمنا متبعين لا مبتدعين فليس أمامنا إلا طريق واحد هو مسايرة النصوص فيما تدل عليه ودلالة النصوص، لا سيما في أمور العقيدة واضحة لا تعقيد فيها. وإنه لمن الخطأ الشنيع، أن نتكلف تأويلات وفلسفات، ما أنزل الله بها من سلطان، حتى نعدل بالنص عن ظاهر دلالته، إلى معانٍ بعيدةٍ عن روحه، تؤدي إلى الانحراف بالنصوص عن خط سيرها الذي رُسم لها وهدفها الذي وردت من أجله.
وزيادة الإيمان وردت بصراحة في نصوص كثبرة، والإنسان إذا عرف أن إيمانه يزيد بزيادة العلم الذي هو جزء منه وينقص بنقصانه، فإن يتحرى الزيادة دائماً، ويتجنب ما يؤدي به إلى النقصان، فيكون دائم الحذر من العواقب الوخيمة التي تؤثر في إيمانه بمخالفة أوامر الله ورسوله. وبالعكس إذا عرف أن إيمانه تام لا يعتوره نقصان بحال، فإنه قد يتجرأ على انتهاك الحرمات بحجة أنها غير مؤثرة في إيمانه، وغير مطلوبة من أجل تقوية الإيمان، وهذا هو موضع الخطر في ذلك المذهب الذي يخالف النص مخالفة ظاهرة. فإذاً هنا موقفان متشابهان للمتكلمين في زيادة الإيمان ونقصه: