للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنهيات، إلا أنه اقتصر عليها ولم يتعدَها إلى ما سواها من النوافل وثالث تقبّل التشريع وصدَّق به، إلا أنه قصر في الإتيان ببعض الواجبات تهاوناً، وقادته شهوته الجامحة إلى ارتكاب بعض المحرمات.

فهؤلاء أصناف ثلاثة، على درجات متباينة من الاجتهاد في استقصاء متطلبات الإيمان. وهذا أمر واقع محسوس لا يملك أحد إنكاره، ولا يستطيع عاقل أن يساوي بين الأول والأخير، والتفاوت بينهما أوضح وأجلى من أن يُدَلَّلَ عليه بدليل. هكذا تفحَّص السلف في هذا الأمر المحسوس وعليه بنوا رأيهم في الإيمان فأجمعوا على القول بزيادته ونقصانه وتفاضل أهله فيه.

فمن أتى بجميع ما أمره الله به من الأقوال والأعمال، واجتنب جميع ما أُمر باجتنابه منها، كان أكمل إيماناً ممن فرَّط في شيئ من ذلك. وعليه فإن إيمان أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أكمل من إيمان معاوية، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكمل الأمة إيماناً، بل أكمل البشرية كلها.

وهذا القول هو الذي أجمع السلف وأصحاب الحديث على القول به واعتقاده١، ومنهم الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، إلا أن هناك قولاً آخر يُروى عنه وهو أن الإيمان يزيد، أما النقصان فتوقف فيه، فلم يجزم بنفي ولا إثبات. وله في ذلك شبهتان ذكرهما الإمام النووي:

١ ـ أن التصديق بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم لا ينقص، لأنه إذا نقص صار شكّاً وخرج عن اسم الإيمان.

٢ ـ وقال بعضهم: إنما توقف الإيمان الإمام مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأوَّل عليه موافقة الخوارج الذين يكفِّرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب ٢.


١ انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية، ص١٨٦.
٢ النووي، محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، ج١ ص١٤٦، ط المطبعة المصرية ومكتبتها.

<<  <   >  >>