للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أن تلك الحصانة تختلف قوة وضعفاً، من إنسان لآخر، وحتى أقواهم معرَّض للوقوع في مزالق الشيطان التي أعدها له، وعمل جاهداً على إيقاعه فيها، وبناءً على ذلك فإن الإنسان لا يستطيع أن يحكم لنفسه بالإيمان الكامل. ولذلك فإن السلف عليهم رحمة الله، نظروا إلى هذا الأمر الواقع، فاحتاطوا له، بأن قالوا بالاستثناء في الإيمان١ استحباباً لا إيجاباً. غير أن هذا الاستثناء لا يجوز أن يكون عن شكّ في المعتقد، لأن الشاكَّ لم يعدْ مؤمناً، وإنما هو لأجل تجنب تزكية الإنسان نفسه بما يوهم استكماله للإيمان. وتزكية النفس منهي عنها، كما في قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} ٢.

والعمل كما هو معروف من مذهب السلف ركن في الإيمان، والأعمال كثيرة، فلا يدري الإنسان لعلَّه قصر في بعضها. وعليه فإن الاستثناء إنما يكون في الأعمال الموجبة لِحقيقة الإيمان، لا في القول، ولا في التصديق القلبي.

يقول محمد بن الحسن الآجري ـ رحمه الله ـ: " من صفة أهل الحق ممن ذكرنا من أهل العلم الاستثناء في الإيمان، لا على جهة الشك، نعوذ بالله من الشك في الإيمان، ولكن خوف التزكية لأنفسهم من الاستكمال للإيمان، لأنه لا يدري أهو ممن يستحق حقيقة الإيمان أم لا؟ وذلك أن أهل العلم من أهل الحق إذا سُئلوا أمؤمن أنت؟ قال آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والجنة والنار، وأشباه هذا. والناطق بهذا، والمصدِّق به بقلبه مؤمن، وإنما الاستثناء في الإيمان، لأنه لا يدري أهو ممن يستوجب ما نعتَ الله عز وجل به


١ الاستثناء المذكور هنا المراد به غير ما هو معلوم في اللغة لأن الاستثناء اللغوي له أدواته المعروفة، غير أن هذا الاستثناء، المقصود به ما اصطلح عليه علماء الإسلام من تعليق الإيمان الشرعي بالمشيئة، وإذاً فهو استثناء اصطلاحي لا دخل له في الاستثناء اللغوي.
٢ النجم: ٣٢.

<<  <   >  >>