فيقول: أنا مؤمن، فيثبت أن الإيمان هو التصديق، لأنك تجزم بأنك مؤمن ولا تجزم بأنك فعلت كل ما أمرت به. فلما علم السلف مقصدهم صاروا يكرهون الجواب أو يفصِّلون في الجواب، وهذا لأن لفظ الإيمان منه إطلاق وتقييد، فكانوا يجيبون بالإيمان المقيد الذي لا يستلزم أنه شاهد لنفسه بالكمال. ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يقال: أنا مؤمن بلا استثناء إذا أراد ذلك، لكن ينبغي أن يقرن كلامه بما يبين أنه لم يرد الإيمان المطلق الكامل، ولهذا كان أحمد يكره أن يجيب على المطلق بلا استثناء يقدِّمه " ١.
هذا هو مذهب السلف في الإيمان، والنقول الواردة عنهم في هذه المسألة كثيرة، ولكن مما ذكرت تتبين وجهة نظرهم التي تتمثل في النقاط التالية:
١ ـ استحباب الاستثناء في الإيمان، وجواز تركه، كأن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أو أنا مؤمن، دون استثناء. ولكن الاستثناء أَوْلى من عدمه، لما في الإطلاق من تزكية للنفس بإيهامه أنه مستكمل للإيمان. أما إذا قصد أنه مؤمن بمعنى أنه داخل في الإيمان لا مستكمل له، فلا شيئ في ذلك وعليه يحمل كلام الأوزاعي السابق وأمثاله.
٢ ـ الاستثناء لا يكون إلا في الأعمال، لا في الاعتقاد القلبي، ولا في القول باللسان، لأن هذين الأمرين يعلمهما الإنسان قطعاً. فهو يعلم من نفسه أنه اعتقد اعتقاداً جازماً بقلبه، وأنه قال بلسانه، وهذا أمر ظاهر للإنسان من نفسه. فلا يكون الاستثناء إلا في الأعمال التي لا يكتمل إيمانه إلا بكمالها. والإنسان لا يستطيع أن يجزم بأنه أتى بجميع ما يُطلب منه من أعمال وعلى فرض أنه تصور إتيانه بها جميعاً، فإنه لايدري أهي قُبلت منه كلها أم لا، ولعلَّ هناك أموراً خفيت على الإنسان يُحبط بها عمله.
١ ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، الإيمان، ص٣٨٣، دمشق، ط المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، بدون تاريخ.