ذهب الخوارج إلى أن الإيمان يتركب من مجموع أمور ثلاثة:
١ ـ تصديق بالجنان.
٢ ـ إقرار باللسان.
٣ ـ عمل بالجوارح.
وهو كل عمل خير فرضاً كان أو نافلة مع ترك الكبائر ١، فهم يعتبرون الطاعات بجميع أنواعها إيماناً، موافقين بذلك جماعة السلف. ونقطة الخلاف بينهم وبين السلف في هذه المسألة أنهم جعلوا ذلك كلاً لا يتجزأ، إذ لا يمكن ذهاب بعضه وبقاء بعضه عندهم، بل إذا ذهب البعض ذهب الكل، فالإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص أبداً، فبمعصية واحدة يخسر جميع أعمال الخير التي عملها طوال حياته.
وأدلتهم في قولهم بتركب الإيمان من الأمور سالفة الذكر هي بعينها أدلة السلف، التي يستندون إليها، وإنما الخلاف في قولهم بأنه كل لا يتجزأ كما ذكرت.
ومن هنا توصلوا إلى أخطر النتائج التي ضجَّ المجتمع الإسلامي بها وحقد على الخوارج بسببها، وبسبب غيرها من العقائد التي علم فسادها من الدين بالضرورة. إذ أنهم يعتقدون أن مَن أخلَّ بأي أمر من أمور الدين، فإنه يُسلب منه اسم الإيمان بالكلية، ويُسمى كافراً ويستحق الخلود في النار وتجري عليه في الدنيا أحكام الكفار، فيكون حلال الدم والمال. ولعلّ الشبهة التي قادت الخوارج والمعتزلة إلى سلب العاصي اسم الإيمان، هو اعتقادهم أنه حقيقة مركبة من أجزاء، فيلزم أن يزول إذا زال بعضها، وذلك كالعشرة مثلاً، إذا نقص منها واحد أو أكثر لم تبقَ عشرة. فإذا كان الإيمان
١ انظر معتقدهم هذا في الملل والنحل لابن حزم الظاهري، ج٣ ص١٨٨، وأصول الدين للبغدادي، ص٢٤٩، ط مطبعة الدولة باستانبول سنة ١٣٤٦هـ.