للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التصديق أمر خفي يوجد في قرارة قلب المؤمن، ولا يمكننا اكتشاف وجوده، والإطلاع عليه إلا إذا وُجد الإقرار اللساني، الذي يدلنا على وجوده، كما أن عدم وجود الإقرار اللساني يدل بدوره على انتفاء التصديق، وعدم وجوده في القلب، فهما ركنان متلازمان في الوجود. هذا ما ذهب إليه أبو حنفية نفسه.

أما أصحابه:

فقد ذهب جماعة منهم أبو منصور الماتريدي إلى أن الإيمان هو التصديق فقط، وأن الإقرار إنما هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية عليه، وليس هو داخلاً في الإيمان، كما ذكر ذلك عنه أبو المعين النسفي في ((بحر الكلام)) ١.

وقد وجدت في رسالة في العقائد على مذهبه ما يوافق أبا حنيفة فيما ذهب إليه من ركنية الإقرار٢.

وقد ذكر شارح الفقه الأكبر أيضاً أن جمهوراً من المحققين ذهبوا إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب، وإنما الإقرار شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، لما كان تصديق القلب أمراً باطناً، لا بد له من علامة، فمن صدق بقلبه، ولم يُقرّ بلسانه فهو مؤمن عند الله تعالى، وإن لم يكن مؤمناً في أحكام الدنيا، ومن أقرَّ بلسانه، ولم يصدق بقلبه كالمنافق فهو بالعكس. ٣

كما ذكر ذلك الشيخ كمال الدين محمد بن محمد القدسي في كتابه


١ انظر: بحر الكلام لأبي المعين النسفي، ص٢٠، مخطوط بمكتبة علي باشا ضمن المكتبة السليمانية، استانبول رقم ١٥٧١.
٢ رسالة في العقائد على مذهب أبي منصور الماتريدي، مجهولة المؤلف، ص٥، مخطوطة بمكتبة ((لا له لي)) ضمن المكتبة السليمانية، استانبول رقم ٢٢٤٠.
٣ انظر: شرح الفقه الأكبر لعلي القاري، ص٨٦-٨٧، ط مطبعة الحلبي، مصر سنة ١٣٧٥هـ.

<<  <   >  >>